حل بنا شهر رجب وهو شهر الله. إنه شهر كريم. إنه شهر الإسراء والمعراج هذا الحدث الجلل الذى يهز الوجدان ويتحدى العقل. لقد خاطب رب العزة سيدنا موسى عليه السلام من وراء حجاب وقال له لقد خلقتك على عينى، وأجاب لسيدنا إبراهيم على سؤاله «رب أرنى كيف تحيى الموتى» فجعله يرى عملية الخلق وأيضا أخرجه سالما من نار الحاكم الظالم مدعى الربوبية وأجاب دعوة سيدنا نوح عليه السلام وأطلق الله القوى العزيز على الأرض الطوفان ليغرق أهل الباطل كما طلب سيدنا نوح، وجعل سيدنا عيسى عليه السلام يحيى الموتى بإذنه تعالى وعندما فاض به الكيل رفعه الله إليه. الله الجواد الكريم سبحانه وتعالى أعطى أنبياءه من الآيات والمعجزات لتهتدى العقول إلى ربها وتنقذ نفسها من الضلال وتنعم فى الآخرة برضا الله وبنعمه وبجنته وفوق كل ذلك بالقرب من ملك الملوك جل جلاله.
أما معجزة الإسراء والمعراج فهى معجزة تخرج من نطاق الأرض والمجرات والكواكب والأفلاك إلى رحابة الكون على إطلاقه. لقد كانت الخطوة الأولى إلى بيت المقدس حيث قدم خالق كل شىء سبحانه وتعالى جوهرة الأنبياء وخاتم النبوة إلى الأنبياء جميعا عليهم السلام ليروه عليه الصلاة والسلام ويصلى بهم عليهم السلام صلاة أهل الصفوة لله وليؤمهم النور الكامل فينعموا برؤياه قبل رحلته إلى العالم العلوى: «سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير». إنه عليه الصلاة والسلام عرج به إلى السموات العلى فى صحبة أخيه سيدنا جبريل ليسمع ويرى. ليرى أهل السماء وأولى العزم من الأنبياء فى أماكنهم العلوية ويخاطبهم وأيضا ليرى الجنة والنار وغير ذلك من المشاهد السماوية. وعندما يصل إلى سدرة المنتهى يتوقف ذلك الملك العظيم عن المسير وعندما يطلب منه خير خلق الله أن يكمل المسيرة معه فيرد قائلا: «إن كلا منا له مقام معلوم» فيتقدم سيد الخلق بمفرده إلى لقاء ربه. وبهذا تعلو مكانته على كل الملائكة.
إنه صلى الله عليه وسلم الوحيد من الخلق الذى ذهب إلى عالم الغيب وعاد. لقد عرج به بسرعة النور المحمدى الطاهر بقدرة رب العزة القادر على كل شىء. وهذه الرحلة تعلمنا أن على المسلم أن يعرج إلى عالم قلبه حيث ربه «لا تسعنى أرضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن». وعندما يرى أنوار ربه فى قلبه فعليه أن يناجى ربه طالبا المزيد من القرب والحب والبقاء فى هذا القرب حتى يتحقق اللقاء العلوى النهائى.