مرت المرحلة الأولى لانتخابات رئاسة الجمهورية بسلام وعلى خير، وقد شَهد العالم بنزاهتها وأشادت وكالات الأنباء العالمية بدور القوات المسلحة البارز فى عملية التحول الديمقراطى للوطن، وقد جاءت النتيجة صادمة للبعض وحملت مفاجآت عديدة كان أبرزها قلة عدد أصوات المرشح عمرو موسى وتفوق المرشح حمدين صباحى على منافسه المرشح الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وأيضا انحصار المنافسة بين مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسى الذى جاء بالمرتبة الأولى بفارق بسيط للغاية عن منافسه الفريق أحمد شفيق، الذى يحسب على حزب الكنبة كما يقولون، وأيضا على فلول النظام السابق باعتباره آخر رئيس وزراء فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، والنتيجة تثبت بلا أدنى شك أن الشعب المصرى يميل فى اختياره إلى الأقدم، بمعنى أنه يميل لاختيار أصحاب التجارب والخبرات السياسية السابقة، وهو ما توفر فى شخصى المتنافسين مرسى وشفيق، فالأول ينتمى لجماعة صاحبة تاريخ طويل، والثانى تبوأ مناصب سياسية وقيادية عديدة.
والواقع أن الاختيار أخذ شكلا لم يتوقعه قطاع عريض من الشعب المصرى، خاصة هؤلاء الذين شاركوا فى ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث أصبحوا فى ورطة اختيار بين دولة دينية متمثلة فى مرشح الإخوان «التابع للمرشد» أو دولة مدنية متمثلة فى الفريق شفيق الذين يصفونه هم بأنه فلول، وفى حالة اختياره فإنهم سيعودون بالوطن إلى عصر مبارك، كما لو كانت الثورة لم تقم من الأساس، مما دفعهم إلى شن هجوم كاسح ضد شفيق فى شتى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى، وبدأوا يلوحون بأنهم سينزلون إلى الميادين ليقوموا بثورة ثانية، وشنوا هجوما على الأقباط يتهمونهم بالتصويت لشفيق، والبعض طالبهم بالاعتذار للمصريين! «على الرغم من تحالف السلفيين مع أبوالفتوح!» ووصفوا كل من صَوت للفريق شفيق بأنهم خونة! مما يعد تعدى «سافر وسافل» أيضا على الغير من أبناء الوطن.
لقد نادوا بالديمقراطية، وهم الآن الذين يرسون مبادئ الديكتاتورية.. لقد نادوا بمصلحة الوطن وإعلائها على الجميع، وهم الآن الذين ينادون بمقاطعة الانتخابات تحت مبدأ «فيها لاخفيها».. لقد وصل الأمر بهم أن يطلبوا من الإخوان التنازل لصالح صباحى «مما يعد إهانة كبيرة لجماعة الإخوان وإهانة أكبر لحمدين إن ارتضى بذلك».. لقد صنعوا من أحمد شفيق عدوا لهم، وكأننا أصبحنا لا نستطيع أبدا أن نعيش بدون عدو سواء خارجى أو داخلى.. لقد جعلوا من شفيق قاتلا ومسؤولا عن موقعة الجمل وصدقوا أنفسهم.. لقد خرجوا علينا عبر الشاشات يصفون شفيق بالمقرف ومن صوتوا له بالمقرفين! فى وقاحة غير مقبولة وإهانة لقطاع أكبر منهم من المصريين، والدليل فوز مرشحهم بفارق ضخم عن مرشحيهم.. لقد نادوا بالتصويت لمرشح الإخوان «على الرغم من اختلافهم جذريا معه» عندا فى شفيق وتشفيا منه غير مبالين بمصلحة الوطن وحاضره ومستقبله..
لقد أصبحوا ينظرون فى المرآة يرون كل شىء إلا أنفسهم فينتقدون الجميع.. لقد اتهموا شفيق بأنه حصل على تسعمائة ألف صوت من مجندين الأمن المركزى بالجيزة!! بعدما قيدت أسماؤهم بالجداول الانتخابية علما بأن قوات الشرطة جميعا على مستوى الجمهورية لا تتعدى ربعمائة وخمسين ألف جندى.. لقد أصبحوا جميعا على شفيق، أى ضده، من تحالفات وقوى سياسية وليبرالية وصحفية وبرامجية ومهلبية إلخ.. وأصبح هو وحيدا فى مواجهة كل هذه الآلات والتجمعات لا يسنده سوى من انتخبوه وسينتخبوه مرة أخرى فى الإعادة، وأنا على يقين بأن الفريق أحمد شفيق إذا قُدر له أن يحسم المعركة الانتخابية بالجولة القادمة سوف يذكره التاريخ بأنه فاز رغما عن أنف من يدعون الوطنية وأتيحت لهم فرصة الظهور الإعلامى لتُسمع حناجرهم وتُطلق خناجرهم فى وجهه، وهم يَّدعون الديمقراطية وينادون بالحرية، ولكن للأسف جوهرهم مغاير تماما لذلك، وهم الآن فقط خائفون من انتقامه منهم فى حالة فوزه «رغم دعوته للمصالحة الوطنية ورفضه لسياسة الإقصاء» لذا يلعبون لمصلحتهم الشخصية بشتى السُبل تحت شعارات وطنية واهية.