من عجائب الحياة السياسية فى مصر ما نشهده الآن، ونحن على وشك انتخاب رئيس للبلاد بين مرشحين اثنين لا ثالث لهما، هما محمد مرسى، وأحمد شفيق (16 يونيو القادم). ومنذ تم الإعلان عن انحصار الاختيار بين هذين الاثنين، ونحن نعيش فى دوامة الطعن، والتشهير، والتخريب، والتهديد بإشعال النار هنا وهناك إذا لم يفز مرشح بعينه بكرسى الرئاسة، بل لقد انقسم أبناء الأسرة الواحدة على المرشح المفضل لدى كل منهم، كما شاعت الخصومة بين الأصدقاء.
ويبدو واضحا من هذا الجدل الذى يصاحب الاختيار النهائى، أن جمهرة الناخبين المصريين لا يفكرون بعقولهم، إنما يخضعون لعواطفهم، والعاطفة عادة تعمى صاحبها عن الرؤية الصحيحة، وتقوده إلى التعصب، فلا يرى أى فضيلة فى الآخر. ووجه المحنة فى هذا المقام أن المصريين أصبحوا أمام الاختيار بين شخصين، يمثل كل منهما اتجاها فى السياسة والحكم من واقع برنامج كل منهما الانتخابى، والمعرفة بتكوينهما السياسى والفكرى. ويبدو واضحا دون لبس أو غموض أن محمد مرسى يمثل اتجاه الدولة الدينية، لأنه مرشح جماعة الإخوان المسلمين من ناحية، ولأنه قال فى خطابه الانتخابى بجامع عمرو بن العاص إنه «الفاتح الثانى لمصر»، وإنه «سوف يعيد الفتح الإسلامى لمصر»، وإنه «لا بديل عن الشريعة الإسلامية»، واختياره لجامع عمرو بن العاص لم يكن عفو الخاطر، بل إنه مقصود، ويتماشى مع العبارات التى قالها، مع أن ثوار 25 يناير لم يرفعوا شعار الشريعة من قريب أو بعيد، وكل ما نادوا به، ولا يزالون: العدالة والحرية والكرامة. أما أحمد شفيق فإنه يمثل دولة غير دينية، وللناخب أن يطلق عليها ما يشاء من الأوصاف: مدنية، أو عسكرية، أوعلمانية.. إلخ، المهم أنه يمثل دولة غير دينية بعيدة عن ذلك الخطاب الذى يردده الإسلاميون فى مصر، ويسعون إلى تطبيقه وتفعيله، اعتمادا على المادة الثانية من دستور 1971 «الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، والتى جاءت بنفس الترتيب فى الإعلان الدستورى (30 مارس 2011)، باعتبارها «خطاً أحمر» لا يمكن الاقتراب منه.
غير أن هؤلاء لا يدرون الظروف التى أدت إلى وضع هذه المادة التى جاء شقها الأول «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية» فى دستور 1923 «رقم 149، تكررت فى دستور 1930 برقم 128»، وأنها لم توضع بناء على رغبة شعبية لإقامة دولة دينية، أو كانت ضمن شعارات ثورة 1919، فلقد اقترحها الشيخ محمد بخيت، مفتى الديار المصرية، عضو لجنة وضع الدستور التى اختارها الملك فؤاد، وكان اقتراحه لمواجهة إعلان الحزب الشيوعى المصرى فى 1921، وكان المفتى قد دخل فى جدل مع الشيوعيين فى عام 1919، حين أفتى بأن الشيوعية ضد الأديان، وردوا عليه إن الشيوعية هى العدل.. إلخ.
وأما الشق الثانى من المادة «.. الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» فقد وضعها السادات فى مغازلة منه للتيار الإسلامى، وكانت فى الأصل «.. مصدر رئيسى للتشريع» عند صدور دستور 1971 فى 12 سبتمبر، ثم أصبحت «.. المصدر الرئيسى» بمقتضى تعديل صدر فى 22 مايو 1980، فأثارت مشكلات كثيرة، لا يزال صداها يصمّ الآذان، مع أن ما يجمع بين المصريين على أساس العادات والتقاليد والثقافة قديم جدا، وأكبر مما يفرقهم على مستوى الأديان التى حلت عليهم من هنا وهناك، وتقبلوها بصدر رحب دون تعصب ودون معارك، وتلك خصوصية يجب أن يدركها الإسلاميون الجدد فى مصر، ويدركها الناخبون المصريون، ويختاروا الرئيس على أساسها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل شفيق
شعوب العالم تعرف التفاهمات السياسية .. أما نحن فنعيش على الصراعات العلنية و الصفقات السرية
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالله
دكتور كرسى!
عدد الردود 0
بواسطة:
محي
كيف اختار رئيس اولاده امريكان؟؟؟ و من القوم الظالمين بالايه الكرمه؟؟؟؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
محي
مرسي اختار لاولاده الجنسيه الامريكيه وحقوق الانسان ولاولادنا الخلافه والضرب بالكرباج علي
عدد الردود 0
بواسطة:
أ . د / محمد محمود محمدين
ليست محنة بل هي منحة