انتابتنى حالة غريبة من هستيريا الضحك تكاد تشبه الحالة التى انتابت الفنان فؤاد المهندس فى مسرحية سيدتى الجميلة حينما سرقت «صدفة بعضشى» فانلته الداخلية مخترقة الجاكت والسديرى والقميص وصولا إلى مبتغاها، ذلك لأن سيارتى التى كانت قابعة فى شارع جامعة الدول بالمهندسين سرقت فى وضح النهار، رغم أنها كانت فى شارع من أكبر شوارع العاصمة، وأنها كانت «راكنة صف أول» وبعدها صف ثان وربما ثالث، فى شارع من المفترض ألا يغيب عنه الأمن ليلا أو نهارا.
لست هنا لأحكى عن سيارتى المسروقة، غير أن اللافت فى الأمر هو قدر الحكاوى التى سمعتها من الناس عن سرقات مشابهة وهو ما يستحق الانتباه، ولا أبالغ إذا قلت إننى أنصح المؤرخين أن يهتموا بها فى كتاباتهم لتكون خير شاهد ودليل على عصر الانفلات الأمنى الذى نعيش فيه، والذى كتبت عنه مرارا وتَكرارا.
أول ما لفت نظرى هو أن أحد أصدقائى هاتفنى مخلصا ومعزيا فى سرقة السيارة، وقال لي: إن شاء الله العربية هترجع، ثم أكمل: «أنا أعرف واحد ممكن يوصلنا بواحد يتوسطلنا عند واحد لكى يعرفنا ببعض زملائه اللى شغالين فى الموضوع ده» ولما سألته عما يقصده بالـ«الموضوع ده» قال لى: إن هناك مجموعة من الشباب تقمصت دور «على الزيبق» أو «روبن هود» أو «المفتش كرومبو» وأصبحت تعمل كشرطة خاصة تأتى للناس بما يسرق منهم مقابل أتعاب بسيطة، وكل ما على هو أنى سأجلس معهم ليسألونى عدة أسئلة وبعدها يبدأ عملهم فى التحريات وإحضار السيارة من سارقها بإذن الله.
واحد آخر قال لي: إذا ما اتصل بك السارقون، ومن المؤكد أنهم سيتصلون، فلا تذهب لكى تحضر السيارة بنفسك لأنهم فى الغالب نصّابون سيستولون على الأموال دون أن يردوا لك السيارة، ثم حكى لى حكاية عن ضابط شرطة سرقت منه سيارته، ولما اتصل به السارقون طلبوا منه عشرين ألف جنيه فأحضرها لهم وذهب لإرجاعها، ولما قابلهم أخذوا منه الأموال بالإضافة إلى طبنجته كما استولوا على السيارة التى كان يستقلها هو وزميله وضربوهما وتركوهما على الطريق.
صديق ثالث طمأننى على السيارة وقال لى إن اتصل بك السارقون فلا تبلغ الشرطة لأن السارقين يعرفون من مصادرهم الخاصة بإبلاغك عنهم، وسرعان ما يكيدون لك، وهذا ما حدث مع أحد زملائه الذين تعرضوا للسرقة وحينما أبلغ الشرطة بمساومة السارقين له اتصل به السارق وقال له: «ابقى خلى الشرطة تنفعك»، وحكى لى حكاية أخرى عن زميل قبِلَ أن يدفع «الإتاوة» لإحضار السيارة فجرجره السارقون إلى صحراء حلوان وعرضوا عليه عشرات السيارات المدفونة تحت الرمل ولما تعرف على سيارته أتوا بونش ليسحبها من تحت الرمال، ودفع لهم ما أرادوا وحصل على سيارته بعد أن أصبحت أشبه بالهيكل العظمى، لا فرش ولا تكييف ولا كاوتش ولا بطارية، «يادوبك موتور وشاسيه والبقية فى حياتك».
أظرف ما فى الأمر أن هناك واحدا قال لى إذا اتصل بك السارقون وساوموك على ثمن السيارة وخفت من الذهاب إليهم فإنه من الممكن أن يأتى إلى بوسيط تسليم يتعهد بتسليم السيارة لى ودفع الأموال المطلوبة مقابل ألف جنيه، ناهيك عن أن أحد السائقين حكى لى عن الأهوال التى يتعرض لها بسبب عمله فى شركات البترول العاملة بطريق الواحات من سطو البدو عليهم ليلا ونهارا.
إذن لله ما أعطى ولله ما أخذ، ولله الأمر من قبل من وبعد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة