تأخر كثيراً إعلان تلك القائمة السوداء للشيوخ وزعماء الفضائيات المحرضين على العنف واقتحام مؤسسات الدولة والاعتداء على رموزها.
تأخر كثيراً إعلان تلك القائمة من كارثة إلى أخرى، من محمد محمود إلى ماسبيرو وانتهاءً بالعباسية، والبداية غالباً ما تكون مظاهرات سلمية ولكن بفعل تأجيج مشاعر الغضب عند المتظاهرين عبر التحريض والتهييج، تتحول المظاهرات السلمية إلى اشتبكات بالحجارة وزجاجات المولوتوف، ويكون الرد من الشرطة العسكرية أو الأمن المركزى بالغاز المسيل والخرطوش، وتحدث المصادمات ويسقط الضحايا.. والنهايات معروفة لنا جمعياً.. دم مصرى يسيل وجراح غائرة فى جسد الوطن وتشويه للمد الثورى، كأن المقصود دفع الناس للكفر به والانقلاب عليه.
السؤال الآن: ماذا بعد إعلان تلك القائمة السوداء من المحرضين؟ هل نقبل أن يتم إلقاؤهم فى المعتقلات أو السجون الحربية؟ لا بالطبع، ولكن الأمور تحتاج إلى إعلاء سيادة القانون، بدءاً من التفريق بين النقد والتحريض وانتهاءً بالمحاكمة العادلة أمام القانون الطبيعى.
يمكننا أن نتعلم من الظروف السيئة كثيراً للبناء فى المرحلة المقبلة، وأول ما يمكن أن نتعمله هو التفرقة بين الحرية المسؤولة والفوضى، لا أحد يريد الفوضى أو يقبل بأن تسود إلا إذا كان يستهدف هدم هذا البلد وتركيعه، ولذلك فالعدو الذى يجب الإجماع على مواجهته وهزيمته هو الفوضى والداعين إليها، ومجال الفرز والتمييز بين الصالح والطالح هو الموقف من صناعة وإشاعة الفوضى فى البلاد قبيل الاستحقاق الرئاسى.
أما الحرية المسؤولة فتعنى كشف الأخطاء وفضح المتواطئين والتنبيه إلى المخاطر وتعرية الفساد ونقد الأداء السيئ والمرتعش للمسؤولين واتخاذ المواقف منهم، حفاظاً على المؤسسات لا هدمها، وهذه الحرية المسؤولة يجب أن تتعزز بما يؤيدها من أدلة وبراهين وشهادات حية كما أنها محصنة بحكم الدستور والقانون والمواثيق الحقوقية الدولية.
فى هذه اللحظة الحالكة والفاصلة، والحزينة، ينبغى أن نريد لأنفسنا وأن نصنع ما نريد بأيدينا.. نريد إنهاء المرحلة الانتقالية وتدشين الجمهورية الثانية أم الفوضى؟! نريد مؤسساتنا قوية فاعلة أم الفوضى؟! نريد حريتنا المسؤولة أم الفوضى؟! وعلى كل منا أن يختار لنفسه ولبلده.