تابعنا كلنا الأحداث الدامية التى حدثت الأسبوع الماضى فى العباسية وما صاحبها من جدل واستقطاب واتهامات متطايرة بين الجميع، إلا أنه تبقى المشكلة أن هذا الجدل اتسم بالتشنج وعدم الموضوعية وامتلأ بقدر هائل من الأحكام المسبقة والتصورات المعلبة، وهو ما يدعونا إلى الهدوء والتروى لمحاولة قراءة الأحداث قراءة تريد مصاحبة الموضوعية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، بشكل مبدئى أرى أن هناك ثلاثة فاعلين رئيسيين فى المشهد السياسى المصرى الأول، هو المجلس العسكرى بكم مواقعه فى إدراة شؤون الدولة كرئيس للجمهورية، أما الطرف الثانى هو التيارات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان بما لها من أغلبية برلمانية وزخم شعبى، أما الطرف الثالث والأخير هو القوى الثورية والمدنية بما لها من حراك وتأثير على العديد من القطاعات المجتمعية. وبالتالى عندما تتدهور الأوضاع فى البلد لابد أن يتحملها كل هذه الأطراف ولكن كلا على حسب سلطاته وتأثيره وصلاحياته، فالذى يحكم ليس كالذى لا يحكم، والذى يحوز أغلبية معينة ليس مثل الذى يحوز الأقلية، والذى ينتظم داخل مؤسسات سياسية وحزبية ليس مثل الذى خارج الأطر التنظيمية وهكذا، وبالتالى لا يمكن أن نقطع الأحداث الأخيرة عن كل الأحداث السابقة التى حدثت فى ماسبيرو ومحمد محمود وغيرها، وعلى الرغم من إيمانى وإقرارى بوجود اختلاف جوهرى بين طبيعة الأحداث الأخيرة والأحداث السابق ذكرها، ألا أنها تمثل حالة أو صورة من صور حالة الترنح السياسى والمجتمعى التى نعيشها منذ أكثر من عام. فالمجلس العسكرى أثبت فشلا ذريعا فى إدارة شؤون البلاد خلال الفترة الماضية سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى، بالإضافة إلى المسار المظلم الذى أقحمنا خلاله، مما صعب مرحلة التحول الديمقراطى وجعلنا عرضة فى أى لحظة للعودة للمربع الأول دائما وأبدا، وحقيقة الأمر لا يعلم كاتب تلك السطور إذا كان هذا الفشل عائد إلى ضعف قدرات المجلس العسكرى على قيادة وإدارة الشؤون المدنية أم إلى أهداف أخرى يبغى منها الحفاظ على أوضاع معينة، إلا أنه وبغض النظر عن تلك الأمور فمن المؤكد أن هناك فشلا ذريعا من العسكرى فى إدارة مصر خلال الفترة الماضية. الطرف الثانى فى تلك المعادلة هى القوى الإسلامية وتحديدا جماعة الإخوان بما لها من أكثرية برلمانية وقدرات تنظيمية هائلة، فالتيارات الإسلامية أظهرت قدرا كبيرا من الانتهازية السياسية فى التعامل مع الوطن خلال الفترة الماضية، ففى البداية ذهبوا فى تفاهمات بعيدة مع المجلس العسكرى، وذلك من أجل ضمان حيازة وضع أساسى فى معادلة الجمهورية الثانية التى سيتم بناؤها، فالتيارات الإسلامية التى تم تهميشها على المستوى الرسمى للجمهورية الأول أو بالأحرى مع لحظة الصدام مع عبدالناصر، وجدت نفسها أمام فرصة تاريخية ربما لم تتكرر للانقضاض والهيمنة على مفاصل الدولة الجديدة لتنفيذ المشروع والحلم نحو بناء جمهورية إخوانية تكون البداية لتوسعات لا يعلمها إلا الله، وبالتالى وانطلاقا من منطق فرض الهيمنة المسيطر على كل من جماعة الإخوان والمجلس العسكرى، فإن الخلاف يكون واردا وعندها يسود منطق الصراعات فى حل الأزمات وهو ما ظهر جليا خلال الفترة الماضية، أما الطرف الثالث فى المعادلة من القوى الثورية والمدنية والحزبية ارتكب أخطاء بالجملة فمنطق المراهقة السياسية كان واضحا داخل العديد من القوى الثورية والشبابية وواجهتها حالة من الارتعاش والتملق من الأحزاب المدنية. فبدلا من مواجهة الأصوات الثورية الراديكالية وترشيد الخطاب الثورى المشروع زايدت عليهم أو بالأحرى أضحت متماهية معهم، ضف إلى ذلك، فلقد اكتفت هذه القوى الثورية والمدنية ولم تقدم بديلا سياسيا حقيقيا للحكم العسكرى وللتيارات الإسلامية، فغاب المشروع السياسى واكتفت بالنقد والنقض ورفع شعارات لا أكثر ولا أقل. باختصار مثلث الأزمة، مجلس عسكرى فاشل، وقوى إسلامية انتهازية، وقوى ثورية ومدنية مراهقة، تلك رؤيتى للأحداث، حاولت فيها أن أكون موضوعيا قدر الإمكان، وعلى أن أؤكد أننا جميعا نتحمل قدرا من المسؤولية وبالتالى علينا أن نكون على مستوى الحدث.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
صدقت - مجلس عسكرى فاشل وقوى اسلاميه انتهازيه وقوى ثوريه ومدنيه مراهقه
احييك على هذا المقال والتحليل