د. أحمد الصاوى

هل تنجح سياسة حافة الهاوية؟

الجمعة، 01 يونيو 2012 11:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت قد عزمت على كتابة هذا المقال بعد سويعات من ظهور دلائل قوية بأن الإعادة فى الانتخابات الرئاسية ستكون بين الدكتور مرسى والفريق شفيق وحشدت له جملة من النصائح والاقتراحات أملاً فى أن تشيد جسراً من الثقة تلتقى عنده حشود من صوتوا لحمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح مع مرشح الحرية والعدالة والإخوان المسلمين.

والحقيقة أننى تراجعت بعد هنيهة وتوقفت عن الكتابة وفى ظنى أن الأحداث ستسبق أقرب موعد لنشر المقال خاصة بعد توالى الاقتراحات والجهود الرامية لتحقيق غرض المقال الرئيس فى الحيلولة دون عودة شفيق أو الانصياع لشهوة الاحتكار التى انتابت الإخوان منذ التصويت على الاستفتاء الكارثة بشأن أولوية الانتخابات أو الدستور.

ثم لم أجد أى خوف من أن تدهس عجلة الأحداث فحوى هذا المقال بعدما بات واضحاً أن حزب الحرية والعدالة المرتبط بالحبل السرى مع مكتب الإرشاد قد عزم على استهلاك الوقت ودفع القوى غير الراغبة حتما فى التصويت للنظام البائد لحافة الهاوية باعتبار أنه ليس لديها فرصة أو بالأحرى الرغبة فى التفاوض مع الفريق شفيق وليس لها من خيار سوى التصويت للدكتور مرسى.

ولا بد لى من الاعتراف بتقديرى الكامل للموقف المتسرع للنائب أحمد أبو بركة الذى أعلن فى مساء الجمعة أن حزبه لن "يمالئ" حمدين أو أبو الفتوح ذلك لأن موقفه كان تعبيرا صارما عن حقيقة ما ستنتهى إليه جماعة الإخوان بشأن مطالبات القوى الوطنية والمدنية بصياغة عقد اتفاق جديد وحاسم كشرط لدعم الدكتور مرسى فى معركة الإعادة.

ومن نوافل القول هنا أن القوى الثورية لم تتمثل مقولة مكيافيللى بأن الغاية تبرر الوسيلة وأرادت، كما فعلت وقت الانتخابات، أن تتواءم الأساليب شرفا مع غاياتها فأعلنت منذ البداية أنها ليست بصدد المفاضلة بين الغريمين وأنها، قولا واحدا فصلا، لن ترتكب خطيئة الاتفاق مع النظام البائد.

ورغم أن ذلك يبدو حماقة فى نظر البعض تماماً مثل حماقة لاعب الأوراق الذى يكشف كل أوراقه قبل اللعب، إلا أننى أراه تصرفا نبيلا وتاريخيا يحيى القيم الأخلاقية بقدر ما يميت ويدين ألاعيب التفاوض بليل مع قوى نظام مبارك تحت زعم سخيف وسقيم بأن "الحرب خدعة".

لم تتبع القوى الوطنية،الثورية والمدنية، سياسة حافة الهاوية أملا فى أن تتغلب النوايا الحسنة على لحظة الخطر المحدقة بالوطن عندما بات على قوى ثورة يناير التصويت لواحد من خيارين أحلاهما مر علقم ،وهما بالتجربة، الأسوأ فى تاريخنا الوطنى أى الاختيار بين دولة الاستبداد بالمال وبين ودولة الاستبداد باسم الدين.

والحقيقة أن منطق "المساومة السياسية" الذى غلب على بعض الدعاوى لأن يتم اتفاق شامل بين القوى الوطنية والدكتور مرسى ليكون مرشحها وليس مرشح الحرية والعدالة والإخوان قد راح بإغراق غير مبرر فى التفاؤل يوسع من مساحة التلاقى أو التراضى أو حتى التنازل (بمنطق الإخوان) فاتسع الخرق على الراتق وكبر الحجر بما لا يمكن الرامى من إصابة هدفه.فشملت مساحة الاتفاق المرتجى هيئة الرئاسة ونواب للرئيس واختيار مسبق لأعضاء تأسيسية الدستور بل وسعى لتقصير فترة الرئاسة لتكون عامين.

ولا مندوحة هنا من التنويه لأن كل تلك المطالبات على وجهاتها يضيق الوقت المتاح على الراغبين فى صياغتها بذات القدر الذى يضيق به صدر مكتب الإرشاد الذى لابد وأن يقرأها كلها تحت عنوان "إرجاء إجباري" لمشروع النهضة أو إن شئنا تسمية الأشياء بمسمياتها مشروع الاستحواذ على مصر.

وعلى عكس ما توقع البعض كان هذا الحشد من تلك البنود "التوافقية" حافزا خارجيا لتثبيت وجهة نظر الدكتور بركة ودفع مكتب الإرشاد صاحب القرار الفعلى فى هذا الشأن لانتهاج سياسة حافة الهاوية، وهو أمر كان مهيئاً له بحكم تركيبته أصلاً.

ويمكن الآن القول بأن خطة حملة الدكتور مرسى ستتجنب أولا وبشكل رئيسى أى اقتراح من شأنه الوصول إلى إقرار تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور قبيل انتخابات الإعادة وذلك خط أحمر لن يسمح بتجاوزه.

ولأن الحرب خدعة من منطق أن "الأغيار" أو الخوارج عن الجماعة هم ممن يجوز الكذب عليهم مرة أخرى وليست أخيرة فإنه من الوارد فى هذا السياق بذل الوعود بحسن التمثيل للقوى المختلفة فى تأسيسية الدستور وما أغناها لغتنا العربية بالمتضادات العمرية واللونية، ولو ضيقت القوى الوطنية الحصار لحلحلة موقف الإخوان داخل البرلمان فإن غاية ما ستحصل عليه هو تصويت على معايير اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية وكما يعرف القاصى والدانى فإن ذلك لن يكون مانعا أمام قوة التصويت بالبرلمان ومعه مجلس الشورى للتحايل على تلك المعايير كما جرى من قبل وربما وصل التلاعب لحد تعيين مسيحيين من الحرية والعدالة فى حصة الأقباط.

إن الهدف الاستراتيجى للجماعة ووليدها الحرية والعدالة هو استخدام الدستور لتغيير هوية الدولة والتمكن من مفاصل القوة بها ومن ثم فإن بين القوى الوطنية وبين الوصول لتوازن مجرد توازن داخل التأسيسية "خرط القتاد".

وقد بدا ذلك واضحا من تأكيد الدكتور مرسى بعد أن تمت السيطرة على لغة الوعود السمحاء التى أطلقها عقب إعلان النتيجة على أن أمر تأسيسية الدستور سوف يحسم خلال وقت قصير لنذهب بعد انتخابه رئيسا (وليس قبل ذلك) لانتخاب أعضاء تلك اللجنة بما يعنى أنه أمر مؤجل حتما.

وترافق مع ذلك الإفراط فى الحديث عن مؤسسة الرئاسة وتمثيل الشباب والمرأة والمسيحيين فيها وربما يكون من الحصافة الآن أن تكف القوى الوطنية عن الخوض فى شأن تلك المؤسسة لأنها لن تكون أكثر من فاترينة عرض بلا معنى أو تأثير ناهيك عن الإمكانية الكبيرة لتفجرها أو إصابتها بالشلل الرباعى.

أخلص هنا لأن المطلب الوحيد والجوهرى الذى لا ينبغى الرضاء بأقل منه هو التصويت بالموافقة على أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور قبل التصويت فى الانتخابات وليس مجرد إعلان المعايير أو حتى تسمية مفوضين لاقتراح قائمة بأسمائها تمهيدا للتصويت عليها فى البرلمان بمجلسيه.

ورغم ذلك فليس هناك مبررات كافية لتوقع التوصل لاتفاق مع حملة الدكتور مرسى ليكون مرشحا للقوى الثورية والمدنية ليس فقط لأن مكتب الإرشاد يميل لكسب الوقت والمراهنة على استقطاب مؤيدين جدد زيادة على ما حصل عليه مرسى فى الجولة الأولى ولكن أيضا لأن الطرف الآخر المبهم والمتدثر بظلمة الأقبية السرية لن أو بالأدق لا يقف مكتوف الأيدى إزاء ما يجرى فمن مصلحته قطع الطريق على التوصل لأى اتفاق مع الدكتور مرسى.

صحيح أن الجماعة تكفيه كثيراً مئونة ذلك ولكن هناك أيضا من يعمل لتحقيق ذلك بإيعاز مباشر أو غير مباشر من الداعمين السريين لحملة الفريق شفيق.

فإلى جانب سياسة حافة الهاوية أو التخويف من الدولة الدينية وانهيار الأمن التى ترتكن عليها حملته تم دفع أحزاب لم نسمع عنها طيلة الأشهر الماضية ومنها ما تحوم حوله الشبهات بالتبعية لفلول النظام البائد للدخول فى معترك الابتزاز السياسى بالمعنى الحرفى ورفع سقف المطالب والشروط للتوافق مع حملة الدكتور مرسى للوصول إلى نقطة إفشال أى مسعى لو قيض له أن يمر من تشدد مكتب الإرشاد العام.

وليس من قبيل المبالغة فى شيء القول بأننا على وشك العودة للمربع صفر لسيناريو المواجهة بين النظام القديم العائد فى معية شفيق وبين الإخوان المسلمين لا لسبب سوى أن غرور القوة وإدمان المراوغة ونقض العهود قد أغشى عيون الجماعة عن حقيقة أن مصداقيتها لدى جمهور الناخبين قد تآكلت حتى على الرغم من الإنفاق المالى الكثيف وغير الأخلاقى فى بعض الأحيان وأن ممارساتها التى تراوحت بين التفاوض مع مفردات النظام القديم والانعزال عن شارع الثورة والجج فى الخصومة مع من يختلفون من الإخوان مع مكتب الإرشاد كلها عوامل قد نالت من صورتها أمام الرأى العام.

ربما يدرك الإخوان أنه ليس أمامهم سوى المخاطرة فى انتخابات الإعادة لتكديس المكاسب لأنها لو فاتت تلك الفرصة السانحة فإنها لن تتاح ثانية بعد أربع سنوات وهناك بالقطع من يسول لهم إمكانية كسب الوقت لخداع البعض وإثارة فزع البعض الآخر بسياسة حافة الهاوية واستغلال الخطاب الدينى الطائفى بصورته الفجة وخاصة فى اللحظات الأخيرة قبل التصويت لضمان الفوز بالجائزة الكبرى.

ومهما تكن هوية الفائز دون الوصول لاتفاق وطنى فإن مصر تدخل حتما لنفق طويل ومعتم من الخلافات والتشرذم السياسى والمعاناة اليومية ولكنه فى ظنى أمر لن يطول فى ظل تنامى الوعى الشعبى واستنفار قوى الثورة وتوجهها نحو التبلور التنظيمى بصورة أو بأخرى قد يحتاج الأمر لتضحيات ودماء جديدة ولكن الشعب سينتصر فى نهاية المطاف على قوى الاستبداد.

تتغير مصر ولكن هناك من لا يستطيع أن يفهم أو حتى يرى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة