افترض معى أن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسة هى انتخابات مجلس الشعب، وأن الثلاثة عشر مرشحاً الذين خاضوا هذه الانتخابات كانوا ثلاثة عشر حزبا دخلوا الانتخابات بقوائم حزبية مغلقة، واحسب عدد المقاعد التى كان سيحصل عليها الإخوان فى الانتخابات، لتتأكد من أن الاستقواء بالأغلبية البرلمانية، كما يفعل الإخوان الآن، ما هو إلا نصب سياسى، واستغلال مقيت من جانب الجماعة التى تعرف أن تمكنها فى البرلمان زائل، ولذا تحاول بأقصى طاقتها أن تكسب لنفسها موضعا دائما على الخريطة السياسية بدستور «تفصيل» لا يرضى أحدا إلّاها.
يعرف الإخوان أنهم يلعبون فى الوقت الضائع، وبدلا من السعى إلى إرضاء الجمهور الذى وثق فيهم، وأعطاهم صوته فى الانتخابات البرلمانية، يصرون بكل ما أوتوا من قوة على أن يبددوا آمال الجماهير فيهم، ليدمروا مستقبلهم السياسى إلى الأبد، ويكتسبوا كراهية مطلقة من الشعب الذى استأمنهم على بلده فى أحلك الأوقات وأشدها حساسية، والنتيجة أن الإخوان لم يصونوا الأمانة، ولم يكونوا على قدر المسؤولية، وأصبحوا فى أشهر معدودات مثالا لمن تمكن فاستبد، وعلا فاستعلى.
حزين أنا على مسلسل إهدار الفرص الذى ألفه الإخوان، وأخرجوه، ومثلوه، وكنت آمل أن يكسب طاقات جديدة المجتمع المصرى من إخوته الذين أقصاهم النظام السابق بكل قوة، لكن للأسف ضرب لنا الإخوان مثلا فى الانتهاز والجشع السياسى المقيت، وأضاعوا مجهودات شبابهم ونسائهم وأشبالهم فى الحلم بالمشاركة الحقيقية فى بناء وطن متقدم.
أنظر إلى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، فأتأكد من أن أبناء الظلام لا يقدرون على أن يرفعوا الغشاوة من فوق أعينهم، وأشد ما يحزننى هو تسلط كهنة الجماعة على أبنائهم، ومثلما كان الحزب الوطنى يقتل كل مخلص بين صفوفه، صار الإخوان ينتهجون نفس النهج، مخدوعين بكثرتهم التى من الممكن أن تنهار إذا ما فقدت الجماعة أبناءها الأوفياء الإيجابيين الذين يفكرون ويحلمون ويعملون.
أتذكر الآن تلك الصورة التى تفاخر بها الإخوان حينما شكل آلاف منهم سلسلة بشرية لتأييد محمد مرسى مرشحهم للرئاسة، لأفاجأ بأنهم «صعبانين عليا» فهؤلاء الذى تعبوا وحلموا ووقفوا فى الشمس لتأييد مرشح يأتمر بأمر كهنة، أقل ما يقال عنهم إنهم لم يكونوا يوما على قدر المسؤولية، ولا على قدر الحلم، ويبدو الآن لى مشهد انهيار الجماعة الذى حلم به مبارك، ومن سبقه، ولم يستطع أن ينفذه قريبا، بعدما رزقهم الله بقادة أشد ما يميزهم هو العمى، وأبرز ما يتمتعون به هو الكبر، وأكبر إنجازاتهم هو إظهار الجماعة فى صورة تصمها بوصمة من الصعب أن يمحوها التاريخ.
ينسى الإخوان أن الشعب لم يعد غافلا، ويشعر الواحد أنهم معزولون عن الواقع، غير مدركين أنه لا توجد قوة فى العالم قادرة على أن تتحدى الشعوب، وأن الشعب الذى صبر على مبارك ثلاثين عاما لن يصبر على حاكم آخر يتعامل معه باعتباره قاصرا، فينصب عليه مرة، ويتاجر بمشاعره مرة، ويرهبه مرة، ويرغبه مرة، فهل من نداء أخير إلى إخواننا من الإخوان أن يدركوا ما هم مقبلون عليه؟