مع مراعاة فروق الغضب وتجاوز التحليلات والبحث عن مؤامرات تفسر ما يجرى تفسيرا مريحا، فإن حكم الدستورية العليا ببطلان قانون مجلس الشعب كان متوقعا، وصدر ضد مادة أصرت الأحزاب على وضعها بالرغم من عدم دستوريتها. أما العزل فإنه قانون صدر متأخرا، لشخص أو شخصين، ويعد انحرافا بالسلطة عن أهدافها، وعندما يأتى من يقول إن ما يحدث انقلاب فإنه يتجاهل حيثيات الحكم، وحتى لو كانت مؤامرة فإن هذه المؤامرة صنعها الإخوان والأحزاب لأنفسهم. لم يعد هناك من يتحدث فى القانون، وكل تيار أو شخص يطلب حكما على مزاجه، مع أنهم يصدعوننا بالحديث عن سيادة القانون.
وحتى لا ننسى ففى 30 سبتمبر كتبت مقالا بعنوان «نكسة أحزاب المادة 5».. قلت فيه: «الأحزاب ركزت فى اعتراضاتها على «المادة الخامسة» واعتبرتها نكسة ومخالفة للدستور، ماذا تقول المادة الخامسة؟.. «يشترط فيمن يتقدم بطلب الترشح لعضوية مجلس الشعب أو مجلس الشورى بنظام الانتخاب الفردى ألا يكون منتميا لأى حزب، ويشترط لاستمرار عضويته أن يظل غير منتم لأى حزب سياسى، فإذا فقد هذه الصفة أسقطت عنه العضوية بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس».
المعترضون على هذه المادة يرون أنها تخالف حرية التنقل بين الأحزاب، لكن علينا أن نتذكر أن هذه المادة كانت أحد مطالب الأحزاب أيام مبارك، لأن الحزب الوطنى كان يختار مرشحيه الأصليين، ويخوض المستبعدون الانتخابات مستقلين ويسارعون للانضمام للوطنى، وفى انتخابات 2000 حصل الوطنى على %38 من المقاعد، وحصل المستقلون على %47 وانضموا ليحوز الوطنى على %85 كانت كافية ليحتكر البرلمان، تكرر الأمر فى انتخابات 2005، وهو ما دعا الكثير من السياسيين إلى الدعوة لتشريع يمنع هذا الانتقال الميكانيكى الذى يصنع أغلبية وهمية، ويقود إلى الاحتكار، وهو ما جرى فى المادة الخامسة المختلف عليها، والتى عادت الأحزاب لتعتبرها نكسة مع أنها كانت تطالب بها.. هم فقط يفكرون فى مقاعدهم، دون أن ينشغلوا بالشعب، الذى لا يمثل لهم سوى أصوات، وهو نفس ما كان يفعله النظام السابق.. وبين قوانين معقدة وأحزاب انتهازية يبقى المواطن مستبعدا، وهو ما كان يفعله نظام مبارك».
هذا ما حذرنا منه وقتها وأصرت عليه الأحزاب، والمفارقة أن نفس هذه المواد هى التى قضت المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخابات 1984، و1987، وتم حل المجالس وقتها بأغلبية حزب وطنى ويومها صفق السياسيون لحكم المحكمة، الذى يهاجمونه الآن، ويعتبرونه انقلابا، بينما الانقلاب هو ما كانوا يفعلونه فى البرلمان وفى الجمعية التأسيسية، وكانوا يتصرفون بنفس طريقة الحزب الوطنى، يعترضون اليوم على ما كانوا يعجبون به فى مواجهة النظام السابق.
إنها السياسة التى يراهن فيها البعض على ضعف الذاكرة، ويخلطون عمدا بين الحق والأوهام، ويتحدثون عن انقلاب هم أول من شارك فيه ووضع أساسه.