وجه القضاء المصرى ضربة قانونية خاطفة للبرلمان عبر محكمته الدستورية ردا على ضربات كثيرة غير قانونية «تحت الحزام» فقد وجه بعض نواب البرلمان ضربات للقضاء فى صورة شتائم وإهانات واتهامات بالفساد.. هؤلاء النواب وجهوا ضرباتهم فى صخب وضجيج وأمام الكاميرات، أما القضاء فوجه ضربته القاضية للبرلمان فى صمت وهدوء ودون صخب أو ضجيج وأفهمه أنه يستطيع الرد عليه وحله ليلقنه درسا لا ينساه بألا يتجاوز قدره وألا يترك نوابه ينهشون عرض القضاء أو يحاولون تصفيته أو ما أسموه تطهيراً.
إنه صراع السلطات إذن.. ولكن الذكى من يوجه ضربته للآخر بطريقة قانونية سريعة فى وقت قاتل لا يتوقعه الآخر.
البرلمان بدأ حرباً لا مبرر لها ولم يستطع أن ينتصر فيها.. فبدا البرلمان أضعف من القضاء وما كان ينبغى لنواب البرلمان أن يثوروا هذه الثورة غير المنضبطة على القضاء دون أن يملكوا أدلة على ما يقولونه من فساد، لقد بدا القضاء فى هذه المعركة أشد صبراً وأكثر صمتاً وأشد فتكا، وبدأ البرلمان وكأنه يحبو فى عامه السياسى الأول، حيث لم يستطع أن يتوافق مع سلطات الدولة الأخرى أو يقومها كما يريد.
أن القوى السياسية يمكن أن تتصارع، ولكنها إذا أصبحت فى السلطة يكون صراعها مدمرا وممزقاً للدولة، فالسلطات لا ينبغى لها أن تتصارع وتتشاحن، ولكن برلمان الثورة أبى ألا أن يخاصم الجميع ويصطدم بكل سلطات الدولة ويمزق علاقته بهم، فقد اصطدم بالمجلس العسكرى الحاكم اصطداما مروعاً عدة مرات دون أدنى مبرر، بل قام بعض أعضائه بشتم وسب بعض قادة المجلس العسكرى.. ناسيا أن وظيفة ومهمة النائب تختلف تماماً عن مهمة الثائر.. وإن ما يجوز قوله فى الميادين من الشباب لا يليق أبدا عن نواب البرلمان.
واصطدم البرلمان دون مبرر بالقضاء وأهانه وشتمه على رءوس الأشهاد ونسى أن كل حكام مصر الأقوياء لم يجرؤوا على شتم القضاء والقضاة واصطدم بحكومة الجنزورى دون مبرر قوى.. حتى جعلوا الجنزورى وحكومته مثل كرة النار التى يرمون بها المجلس العسكرى، وبلغ الأمر غايته بشتم وإهانة بعض الوزراء فى البرلمان وكأنهم عبيد عند بعض النواب حتى أقسم بعض الوزراء أنهم لن يذهبوا للمجلس مرة أخرى.
معارك كثيرة لا مبرر لها خاضها البرلمان مع الجميع صاحبها ضجيج وصياح وشتائم وتعامل غير لائق، لقد أضير برلمان الثورة بكل هذه الصدامات كما أضير أيضاً بنماذج سلبية أساءت إليه مثل البلكيمى وغيره وبنماذج أخرى غلبت الخطاب الوعظى والدعوى على العمل الرقابى والتشريعى، وغابت عن هؤلاء حكمة البرلمانى الذى يجرح خصمه دون أن يريق قطرة من دمه لإصلاح شأنه، فضلا عن شيوع ثقافة الانتقام التى شاعت فى خطاب معظم نواب البرلمان لحداثة عهدهم بالسياسة.. ناسين أن ذلك يهدم الدول ولا يقيمها.