فى زحام الانتخابات والمنافسة يمكن تفهم استخدام البعض لأساليب غير مشروعة فى الأحوال العادية مثل الاتهامات والدعايات السوداء والبيضاء، لكن لكل هذا حدودا، أقول هذا بمناسبة اللعب على أوتار الطائفية خلال الانتخابات الأخيرة خاصة فى الإعادة وحتى فى المرحلة الأولى، فقد استسهل البعض القول بأن أحمد شفيق من صوتوا له هم الأقباط والفلول، وفى هذا إنكار لفكرة الاختيار وإلغاء للحرية التى هى أهم أركان الديمقراطية. ولايمكن لغير متعسف أن يرى هذا الأمر من زاويته، فقد فاز الرئيس بفرق بسيط، وهناك نسبة قاطعت رفضا لكلا المرشحين. وعلى الرئيس أن يعيد قراءة النتيجة، ويسعى لتوسيع دائرة مؤيديه بدلا من خسارة جزء ممن أيدوه. فالذين صوتوا لمحمد مرسى ليسوا جميعا من المتفقين مع الإخوان، ولا الذين صوتوا لشفيق من فلول النظام السابق. أما المسيحيون فإنهم صوتوا لمصالحهم، وبناء على مطالبهم ومخاوفهم التى يجب على الرئيس القادم وأى سياسى أن يقرأها، ويعرف أن هناك كتلة حرجة غادرت سلبيتها ودخلت معادلة السياسة بإيجابية وتأثير كبير.
كان البعض يلوم على الأقباط الابتعاد عن السياسة ويتهمونهم بالسلبية. متجاهلين أن أغلبية المصريين بمسلميهم ومسيحييهم كانوا يعطون ظهورهم لسياسة كانت خاضعة لاحتكار عصبة فاسدة. وانتخابات شكلية مزورة للإبقاء على نظام استبدادى. الفقراء محرومون من تكافؤ الفرص بصرف النظر عن عقيدتهم. هذا الواقع تغير، وخرج المسيحيون ضمن ملايين المصريين وتمردوا على تعليمات الكنيسة، وشاركوا فى الثورة، وسقط منهم شهداء وجرحى. وشاركوا فى الاستفتاء وفى الانتخابات بنفس قدر المسلمين، ويومها كان أول شرخ صنعه الطائفيون الذين حولوا نعم للمسلمين ولا للمسيحيين، ولم يكن هذا هو الواقع، بل إن من وافقوا بنعم اعترفوا بأنهم أخطأوا عندما وافقوا على إعلان دستورى تسبب فى الحيرة والمتاهة التى نحن فيها، كان الدستور أولا هو الحل الذى يريح الجميع.
خرج المسيحيون فى انتخابات مجلس الشعب وصوتوا وفى انتخابات الرئاسة، وكان هناك من سعى لتصوير الأمر على أنه تصويت طائفى، أو فلولى، بينما المسيحيون أصبحوا جزءا من كتلة فاعلة ومؤثرة من المواطنين، غادروا السلبية إلى المشاركة، مثل أهل قبلى وبحرى وسيناء والنوبة. كشفت انتخابات الرئاسة عن تشكيل جديد لخريطة التصويت، وكان المسيحيون والمرأة قطاعا فاعلا فى العملية السياسية يستحق الاهتمام. وأرقام لا يمكن تجاهلها.
وغير صحيح أن التصويت كان طائفيا، لكن الصحيح أن التصويت كان مخلوطا بمخاوف وشكوك زرعتها شهور من الغموض وغياب الرؤية السياسية، وتصريحات طائفية. الأقباط لم يعودوا سلبيين، خرجوا للمشاركة. ومع اتساع دائرة مشاركة المصريين فإن الدور السياسى للمؤسسات الدينية سوف يتقلص. لتقوم ملامح دولة المواطنة، ولا يجب أن نلوم من خرجوا للتصويت، بعد سنوات من المقاطعة الجبرية، أملا فى مستقبل أفضل. وعلى الرئيس القادم وأى سياسى أن يعى هذا وعلى الطائفيين أن يمتنعوا ويعيدوا قراءة الواقع قبل أن يقسموا المصريين.