انتهت الانتخابات الرئاسية بفوز الدكتور «محمد مرسى» مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، كما يحلو للبعض قولاً، بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية، ورغم ما أفرزته النتيجة من ارتياح عميق وواسع بين العوام، اعتقادًا منهم بأن حالة التيه السياسى قد انتهت بانتخاب الرئيس، فإن اللعبة لم تنتهِ بعد، بل بدأت لتوها، ومحملة بتحديات جمة تجعلنا جميعًا نبحث جادين عن أدوات المواجهة.
بعد إعلان المستشار «فاروق سلطان» فوز الدكتور «محمد مرسى» بمنصب رئيس الجمهورية، تزاحم الرأس بالأفكار والخواطر والأمنيات والهواجس والآمال، وإليكم بعض ما دار بالعقل عقب إعلان فوز الدكتور «محمد مرسى» بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية:
- مصر أصبحت دولة مدنية، باعتلاء رجل مدنى لا ينتمى للمؤسسة العسكرية، فهو حاصل على بكالوريوس الهندسة جامعة القاهرة، وقام بالتدريس فى جامعة جنوب كاليفورنيا ولوس أنجلوس وجامعة القاهرة والزقازيق والفاتح فى طرابلس بليبيا، ففوزه وضع الجمهورية المصرية، فعليًا، على طريق الدولة المدنية، وبغض النظر عن الانتماءات والتوجهات والمرجعيات، تبقى الحقيقة واضحة بأن مصر اعتلى عرشها رجل بلباس مدنى وليس عسكرياً، لأول مرة فى تاريخها، شأنها فى ذلك شأن الدول الديمقراطية فى العالم.
- فوز «مرسى»، أخرج ما بداخلنا من طموحات مكنونة وأحلام كانت ممنوعة فى السابق، فاليوم من الممكن أن نحلم لأنفسنا ولأبنائنا بأن يكونوا فى سدة الحكم، بأن يكونوا فى موضع صنع القرار، فوصول الدكتور «محمد مرسى» إلى الحكم قضى على نظرية الحلم الممنوع، الذى أصبح بوصوله مسموحًا.
- سبحان الله.. هذا الرجل لم يطلب منصب الرئيس ولم يسعٍ إليه من بين الـ13 مرشحاً، فهو الوحيد الذى دُفع إليه دفعًا، فكلنا نتذكر أن الدفع به لخوض الانتخابات الرئاسية كان مجرد إجراء احترازى لجماعة الإخوان المسلمين، فى حال خروج مرشحهم الأساسى المهندس «خيرت الشاطر» من السباق، وبعد خروج «الشاطر» من السباق، أخذ الإعلام يتحدث عن الرجل باستخفاف شديد وأطلقوا عليه المرشح «الاحتياطى» أو «الاستبن».. وسبحان الله تشاء الأقدار بأن يكون ذلك الاحتياطى هو الفائز بمنصب الرئيس، وحينما نتذكر حديث رسول الله، صلى الله عليها وسلم، «يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ بنَ سمرةَ لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلى يَمينٍ فَرَأَيْتَ خَيْراً مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمينِكَ»، نتيقن بأن المولى، عز وجل، سوف يُعين الدكتور «محمد مرسى» على أثقال منصبه.
- الذكاء الإخوانى، بإعلان تقدم مرشحهم مبكرًا، ونزولهم بكتاب يجمع محاضر الفرز التى تُثبت تقدم الدكتور «مرسى»، ورغم محاولات التشكيك فيما أعلنوه، فإن المبادرة بإعلان تقدم مرشحهم قطعت الطريق أمام أية محاولات للتأثير على النتيجة، علمًا بأن المبادرة ذاتها قد أثارت الشكوك عند البعض بأنها ضغط من جانبهم فى توجيه النتيجة.
- تلك الفرحة الغريبة التى اجتاحت المجتمع المصرى فور إعلان «مرسى» رئيسًا، والتى للوهلة الأولى تُعطى انطباعًا بأن الشعب كله أراد «مرسى»، فى حين هناك ما يقرب من 12 مليون مواطن مصرى كانوا يريدون ويعتقدون فى الفريق «أحمد شفيق»، وفيما يبدو أن فرحة الشعب ليست مرتبطة بفوز هذا أو ذاك، بل ترجع - حسب اعتقادى - إلى عوامل متعددة منها بالتأكيد فوز مرشح بعينه، ولكن أضف إلى ذلك الرغبة فى الفرحة والابتهاج بعد فترات القلق والخوف والتربص، وكذلك الفرحة بالانتخابات وإقرار ثقافة الصندوق بين المواطنين، وأيضًا طبيعة الشعب المصرى التفاؤلية بالأساس، فهو شعب دائم النكات وشديد الابتهاج.
- المقلق فى فوز مرسى أمران، الأول: يتعلق وارتباطه التنظيمى بجماعة الإخوان المسلمين، وهل سينفصل حقًا عنها تنظيميًا أم لا؟ وهذا أمر لا يمكن تقييمه بالأقوال والوعود، ولكن بالأفعال والمواقف وعلى فترات زمنية، أما الأمر الثانى فيتعلق بمُفسدى الأفراح وهادمى اللذات ومفرقى الجماعات، الذين ظلوا ينخرون كالسوس فى الجسد المصرى على مدار أعوام طوال، والآن لا يكفون عن إشاعة التشكيك والشائعات.. حمى الله مصر والمصريين منهم.
- الإعلام غير المسئول، الذى أفسد علينا لحظات هى الأهم والأجمل فى تاريخ الدولة المصرية على مر العصور، إذ وضعنا الإعلام فور بدء الفرز فى جولة الإعادة وحتى إعلان اسم الرئيس فى حالة شديدة من التعقيد النفسى، التى تحتاج من علماء علم النفس كثيرًا من البحوث والدراسات لفهمها وتقييمها، فالطبيعى فى أى بلد حول العالم أن النتائج الأولية تشير بشكل كبير إلى الفائز، ورغم أن هذه النتائج كانت تصب بشكل يقينى وحسابى شديد الدقة فى صالح المرشح «محمد مرسى»، إلا أن عددًا لا بأس به من الإعلاميين ووسائل الإعلام تقول بأن الفائز هو المرشح «أحمد شفيق»، مما جعلنا نعتقد إما الكذب فى حملة الدكتور «مرسى»، وكذلك الكذب فى حركة قضاة من أجل مصر وكل المراقبين الداخليين والخارجيين، أو الاعتقاد بحدوث تلاعب من قبل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، بأوامر من المجلس العسكرى، فى النتيجة النهائية، وهو ما لم يحدث، وكانت النتيجة نزيهة بكل المقاييس.