د. محمد محسوب

مدنية الدولة وعسكرة السلطة

الإثنين، 04 يونيو 2012 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أعتقد أن مصطلحا تداوله الجمهور منذ الثورة حتى اليوم أكثر من مصطلح مدنية الدولة غير أن كل شخص يحمل له معنى مختلفا عن الآخر.. وإذا كان السيد شفيق أكثر من يرددها الآن، بينما الدكتور مرسى تجنب ذكرها أو الإشارة إليها أو المرور بجوارها، فإن ذلك لا يعبر عن مدنية السيد شفيق أو عن عدائية الدكتور مرسى، وإنما يعبر عن خلط وقع فيه فصيل من الحركة الإسلامية اعتقد معه أن المدنية علمانية وأن العلمانية عدائية وأن الإسلام من ذلك براء، كما يعبر أن النظام السابق الذى لم يعطنا سوى دولة مستبدة وظالمة وفاشلة وفاسدة راح يغنى قصيدة المدنية وهو يطرح لنا مرشحا عسكريا، وكأن المدنية فقط ضد الدينى، بينما هى تسمح بعسكرة المجتمع وهيمنة العسكر على مقدرات البلاد.

نحن بين فريقين: أولهما فشل أن يقرأ الواقع أو أن يدرك معانى المصطلحات أو أن يفرق بين الجائز والممكن والمستحيل، بينما الفريق الثانى يستغل عدم إدراك الأول ونزقه وسوء أدائه السياسى ليعرض نفسه فى ثوب ليس له، ثوب مغصوب، حرم أئمتنا الصلاة فيه أو أن يظهر مرتديه بمظهر الصلاح وهو غاضب.

فالدولة المدنية التى لا يهيمن عليها عسكر ولا يديرها رجال دين من إنجاز إسلامى بامتياز، فلم يترك لنا القرآن مساحة لنعتقد أن هناك كهنوتا يجوز لنا أن نتبعه أو نقبل كل ما يصدر عنه دون نقد أو رد أو أن يحكم الناس باسم الرب أو باسم المؤسسة الدينية، بل إن الموسسة الدينية فكرة منتقدة ومنفرة فى إسلامنا حتى إن القرآن يجعل من الطبقية الدينية والكهنوت الدينى قرينا للشرك وشكلا نموذجيا للاستعباد لغير الله.. وبالتالى فإن المشايخ والتجمعات الدينية التى تصدر فتاوى تحاول أن تجبر الناس على اتباعها بتهديدهم أن ذلك يتوافق مع طاعة الله وأن خلافه هو معصية وإثم، إنما يستندون لتراث ليس لنا ولدين ليس ديننا ولفكر هوائى لا سماوى.

ويشهد التاريخ الإسلامى أنه لم يقبل فى أى من فتراته دولة الكهنوت أو دولة يحكمها الناس من المسجد أو دولة مقدسة، إنما دولة الخلافة التى أساسها الإجماع وليست نصوصا دينية وتولاها رجال، أصابوا أحيانا وأخطأوا أحيانا، وأغلبهم لم يكونوا على وفاق مع علماء الدين، وإذا كان الإجماع انعقد على ضرورة الدولة وضرورة الرئاسة، فإنه لم ينعقد أبدا على شروط الرئيس أو ضرورة كونه فقيها أو منتميا لطبقة العلماء أو غير ذلك مما يثير شبهة الدولة الدينية، كما لم ينعقد على أبدية شكل الخلافة، ولم يمثل علماء الدين طبقة مستقلة متضامنة متماسكة وإنما شكلوا فئة مندمجة فى شعوبهم لا يتميزون ولا يمتازون على الناس بشىء، فمنهم العامل ومنهم الكاتب ومنهم الطبيب، وتفرق الناس من حولهم بين مؤيد لرأى هؤلاء ومناهض لرأى آخرين دون أن يترتب على ذلك تكفير أو تأثيم، ولا ينفى ذلك وجود البعض يتعامل مع الفقه والفتوى باعتبارها سلاحا يردع به الآخرين ويحسم به معارك ويؤسس به لكهنوت جديد رفضه الإسلام خلال أربعة عشر قرنا من الزمان.

ومع ذلك فإن المدنية ليست فقط رفضا للكهنوت الدينى أو للحكم باسم الدين وإنما هى رفض أيضًا للكهنوت العسكرى، خصوصا أن الحكم العسكرى إنما يستند إلى جمعه بين السلطة السياسية والقوة العسكرية بما يمكنه من حسم أى منازلة مع القوى المدنية، وبما يسمح له بفرض تصوراته وآرائه دون أن يتمكن الآخرون من معارضته، بل يجعل المعارض قرينا بالخيانة للوطن والخروج من الإجماع الشعبى، فهو لا يختلف عن الكهنوت الدينى إلا فى آليات عمله، والمدنية هى رفض لهذا وذاك، وما الثورة المصرية إلا احتجاج على انفراد القيادة السياسية بإدارة البلاد واحتكارها كل مصادر الشرعية مستندة إلى انتمائها للمؤسسة العسكرية، لأن المجلس العسكرى رغم رفضه لفكرة التوريث التى تبناها الرئيس السابق، لم يجرؤ على التصريح بذلك فى حينه ليحافظ على تماسك الطبقة العسكرية بغض النظر عن مصلحة الوطن، وها هو ينزل إلى الشارع بدعوى حماية الثورة، ثم فجأة ينقلب عليها ليؤسس لمرحلة عسكرية جديدة يدير البلاد فيها ممثل للمؤسسة العسكرية.

ويمكن للمجلس الأعلى أن ينفى عن نفسه هذه التهمة بألف تصريح وبألف قسم، غير أن مجرد إتاحة الفرصة لعسكرى سابق ورئيس وزراء سابق يمنعه القانون من خوض السباق الرئاسى، والتحايل على قانون العزل بكل طرق التحايل، إنما ينفى كل رسائل البراءة التى يرسلها المجلس كل يوم فى وسائل الإعلام.. فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة أمين على إدارة المرحلة وأمين على تجنب خلق مواجهة بين القديم والجديد وأمين على فرض احترام سيادة القانون بعدم السماح للجنة العليا للانتخابات التى شكلها مبارك لتشرف على التوريث أن تتلاعب بالقانون اليوم، فتعلق تطبيق قانون العزل لتمرر الفريق شفيق، ثم تدعونا للاحتكام للصندوق بينما إدارة المرحلة الانتقالية بذلت كل جهدها لتغير ميول الناس إلى ميول عدائية ضد الثورة.

لا أعتقد أن الأداء السياسى لجماعة الإخوان المسلمين فى المرحلة الانتقالية يبعث على الاطمئنان لكنى لا أرى أنهم يقبلون الدولة الدينية أو يعتبرونها خيارا، وخلافنا معهم لا ينصب من تلك الخانة إنما ينصب فى خانة رفضنا استحواذهم على كل مفاصل الدولة، بغض النظر عن اجتهاداتهم ورأيهم الذين يصرحون به لأنصارهم وليس لمواطنيهم، فمحاولة الاستحواذ هى ما أورثتنا الانقسام الذى نعيشه ويهدد بذهاب الثورة وتحولها إلى حلم جمعى نستيقظ منه على دولة عسكرية جديدة عاجزة عن إحداث نهضة لكنها قادرة على التنكيل بالجميع.

كما لا نعتقد أن الأداء السياسى للمجلس العسكرى يرضى أحدا، فهو تعامل مع الثورة باعتبارها احتجاجات يحاول تحجيمها وتحييدها ولم يؤمن أبدا بأننا إزاء ثورة تطلب عالما مختلفا تسوده الحرية وتحمى فيه الحقوق ويؤسس لنهضة تستحقها البلاد وتستعيد به كرامتها ودورها على المستوى الإقليمى والدولى.. بل لا أغالى إذا قلت إنه يتمسك بما هو قائم ولا يرى عيبا فى وضع مصر الدولى والإقليمى ولا يؤمن بأن هناك أفضل مما هو قائم أو أن مصر قادرة على تحسين وضعها فى النظام الدولى.

نحن نواجه اختيارا صعبا بين من لا يؤمن بالثورة ويزعم أنه يدافع عن مدنية الدولة وهو يعسكرها، وفريق آخر اعتقد أن الثورة انتصرت والديمقراطية استقرت فهبط إلى الوديان ليستحوذ على كل ما اعتقد أنه غنائم دون أن يدرك العواقب.








مشاركة

التعليقات 8

عدد الردود 0

بواسطة:

وائل شفيق

مصر في حاجة إلى اتفاق سياسي لتقاسم السلطة بين المجلس العسكري وقوى الثورة ..

عدد الردود 0

بواسطة:

مصريه

الخلاصه

عدد الردود 0

بواسطة:

وائل شفيق

شعوب العالم تعرف التفاهمات السياسية .. أما نحن فنعيش على الصراعات العلنية و الصفقات السرية

عدد الردود 0

بواسطة:

عثمان

لا شفيق لا مرسى

عدد الردود 0

بواسطة:

lمحمد على

بامانه

عدد الردود 0

بواسطة:

حسن

رسالة صغيرة لمحسوب

عدد الردود 0

بواسطة:

ديدى

هيا السلطة التشريعية اتسلمت للبرلمان ولا انا كنت بحلــم ؟؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

masrey

افكار حلزونية لا تأتي بجديد و غير امين اعلاميا إذا كنت تريد ان تكتب اعرف مخاطر اللمرحلة وا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة