نعم هناك مشكلة فى الحكم على مبارك وأعوانه، لكن المشكلة الأكبر فيمن ينتهزون الفرصة ليحققوا أرباحا على حساب الجميع، محاكمة مبارك والحكم عليه كانت مناسبة لاستعادة زخم الثورة ووحدة الميدان، وتحولت إلى مناسبة للتربح والتقاط الأصوات والصور، وتوقيعات على بياض من مرشحين وانتهازيين، وخاسرين ومحللينا يربحون من المسار السياسى ليلا، وفى النهار يصادقون المجلس الرئاسى.
ربما كان مجرد وجود مبارك فى القفص والحكم عليه بالسجن المؤبد، خطوة لم تحدث منذ آلاف السنين. هى أحد نتائج الثورة، لكنها جاءت غير كافية. لأنه تم اختيار القضاء الطبيعى واختصارها فى قتل المتظاهرين. وكانت المطالب من البداية أن تكون المحاكمة سياسية لمبارك ونظامه. لجمال مبارك وأحمد عز وسرور والشريف وزكريا عزمى، عن تزوير الانتخابات والمرض والفقر. وإفساد الحياة السياسية. مطالب تم تجاهلها، لصالح محاكمة جنائية.. لم يتوقع لها أن تنتهى بأكثر مما تم.
محاكمة ناقصة، وانتخابات غير مرضية، أعادت الشعب للميادين، اعتراضا، وإحباطا، ودخل السياسيون على الخط، وكل منهم يعرف ماذا يريد، يحفظون المفاتيح، هتافات وخطابات عالية النبرة. الانتهازيون يعرفون كيف يكسبون من حرارة الميدان، وقوة التحرير. الكل يهتف مع الهاتفين الأبرياء، ليجد لنفسه مدخلا، محترفو رفع الأحذية «عمال على بطال»، وكبار خطباء الأزمات، من محترفى الكلام المتلون والصراخ الأجوف. والاقتراحات المجانية المستحيلة. منهم من يذهب ليصطاد تأييدا لمرشح أو تلميعا لخاسر، أو تصديرا لنفسه، إنهم محترفو اصطياد الكاميرا.
يوقعون فى الميدان، ويظهرون أمام الكاميرات، محمولين على الأعناق، يلقون خطبا مجانية، وينصرفون بعد الاطمئنان على أن صورهم تزين النشرات. يواصلون الكلام توك شو، ثم يعودون بطانا بعد عقد الصفقات.
الإخوان هتفوا وأعلنوا الغضب، والنزول للميدان، وبعد الخطب وعد مرشح الجماعة محمد مرسى بإعادة محاكمة مبارك، إذا تم انتخابه. وتجاهل مطالب الوحدة والتنسيق. الجماعة لم تقدم تنازلا فى تأسيسية الدستور، أو فى التزامات ولو شفهية بمطالب القوى السياسية.
وطبعا رفضوا اقتراح المجلس الرئاسى، وهم قاب قوسين من الرئاسة. لكنهم طلبوا من الميدان دعما لمرشحهم، فإذا نجح يستمرون وإذا نجح منافسه، يخرجون للثورة من جديد، يريدون ثمنا لما لم يقدموه.
ولهذا عاد اقتراح المجلس الرئاسى، الذى سبق طرحه فى مناسبات مختلفة، وفى كل مرة كان الزعماء المدعوون، يوافقون فى البداية، ويظهرون فى التحرير يخطبون، وينسحبون، بعد الخطابة والتقاط الصور اللازمة. نفس مافعلوه هذه المرة -بالرغم من عدم منطقيته-، فإذا كانت فكرة المجلس الرئاسى لم تتحقق قبل الانتخابات، فهل يمكن قبولها وأمام انتخاب الرئيس أقل من أسبوعين؟. بعض كبار محللى المسار السياسى، عادوا يقترحون المجلس الرئاسى، الذى يناقض تحليلاته الاستراتيجية، يكسب من المسار السياسى ليلا، ويداعب الميدان نهارا، باقتراح يرفضه بالفعل، المتربحون من عرق جبين الثورة والميدان. إنه موسم «الانتهازات»، وتجار الصنف السياسى.