فجأة أصبح كل مواطن قاضيا وفقيها قانونيا، يضع نفسه مكان رئيس المحكمة التى أصدرت حكمها على مبارك وأركان نظامه ويتطوع بالتعقيب على حكمها، متجاوزا إلى الهجوم على المستشار أحمد رفعت ومؤسسة القضاء بالكامل، وأصبح الشعار «الشعب يريد تطهير القضاء» عبارة يطلقها الأحمق والعاقل والمغرض والمتحمس فى الوقت نفسه، وخرجت المظاهرات التى تحركها الرغبة فى الانتقام من جانب، وتحركها من جانب آخر الأحزاب والسياسيون الذين يهدفون إلى تحقيق مصالح ومكاسب ضيقة وآنية، من خلال استخدام الصوت العالى للشارع الغاضب والشارع الهائج والشارع الذى يتحرك بكثير من الغوغائية وبدون عقل، وهو ما انتقده المستشار حسام الغريانى رئيس مجلس القضاء الأعلى محذرا عن الاستسلام لسيناريو الفوضى الذى يبدأ بالعدوان على مؤسسة القضاء.
لكن الغريب أن يشارك نواب مجلس الشعب فى الهجوم على مؤسسة القضاء، فى تكرار يبدو مقصودا لتغول السلطة التشريعية على سلطات الدولة، وهو ما أدى إلى غضبة عارمة للقضاة، عبر عنها المستشار أحمد الزند فى مقاطعة القضاة للبرلمان والدعوة إلى سحب مشروع قانون السلطة القضائية من مجلس الشعب إعلانا لرفض إقرار تعديلات القانون فى ظل المجلس الحالى.
المسؤولية فى هذه الأزمة الخطيرة بين البرلمان ومؤسسة القضاء يتحملها حزب الأغلبية الذى يسعى من ناحية لإذكاء الغضب الشعبى وتوجيهه واستخدامه فى معركة الانتخابات الرئاسية لصالح محمد مرسى حتى لو كان ذلك من خلال النيل من هيبة المؤسسة القضائية، ومن ناحية ثانية يسعى لفرض هيمنته على القضاء والتدخل فى شؤونه فى إطار مخطط التكويش والسيطرة على كل مؤسسات الدولة.
غضبة القضاة مشروعة بالطبع وتستحق الالتفاف الشعبى والإعلامى، من أجل الحفاظ على طبيعة الدولة المصرية ومؤسساتها ومحاسبة ممثلى الشعب الذين يظنون أنفسهم فوق المحاسبة.