قبل أن تقرأ:
أعلم أنك ستتوقف عند منتصف سطور هذا المقال، وتتهمنى بأننى شيعى ومزقوق وقابض من إيران وأملأ جدران حجرتى بصور حسن نصرالله ونجاد والخومينى وسيدنا الحسين وهو يدمى على أرض كربلاء، ولهذا دعنى أوفر عليك المشوار ليس بنفى اتهاماتك فقط، بل بالتأكيد على أنها لن تفرق معى ولن تصيب فرائصى برعشة حتى ولو كانت بسيطة.
إن كنت قد وصلت إلى هنا فيبدو أنك قررت أن تستكمل القراءة، وبالتالى تعال نبحث سويا عن شىء ما يفسر لنا كل هذا الخوف من الشيعة وكأننا نتحدث عن تتار جدد لا قبل لنا بمواجهتهم؟ لماذا تفرغ زعماء أكثر من 20 دولة عربية لمواجهة إيران وحزب الله والاجتهاد فى تشويه وتسفيه كل ما له علاقة بطهران؟، لماذا يتحرك رئيس مصر الجديد فى أول زيارة خارجية له نحو السعودية وهو محمل بعدد من التصريحات كلها تتحدث ظاهريا عن أمن الخليج الذى هو خط أحمر بينما باطنها ذاهب حتى هناك.. حتى طهران؟، لماذا نستجيب إلى خطة «الجرجرة» التى تضعها الولايات المتحدة بدقة وتدفع فيها العرب بقيادة مصر إلى أن يكونوا فى كفة والإيحاء لهم بأن إيران فى الكفة الأخرى؟ لماذا تتزامن كل حكاوينا عن المخاوف من المد الشيعى مع الحكاوى الأمريكية التى تتحدث عن نفوذ إيران وطموحها الفارسى الذى لا يتوقف؟، لماذا تراجع الرئيس محمد مرسى بسرعة الصاروخ عن تصريحاته الخاصة بالتقارب مع إيران مع أول نوبة غضب ظهرت من الأراضى الإماراتية؟.
نعم أخطأ الإيرانيون ومن معهم مثل حسن نصر الله حينما خيلت له أفكاره أن حماسته وكاريزمته قد تشفع له عند المصريين إذا تجرأ على مصر الدولة أو الوطن؟ وأخطأ الشيعة المصريون حينما تسرعوا فى الحديث عن إنشاء الحسينيات وإنشاء حزب شيعى قبل أن يمهدوا بعضا من العوائق السياسية والنفسية، ولكن مصر ارتكبت من الأخطاء ما هو أبعد من ذلك حينما تركت نفسها تنساق خلف الوهم الذى خلقته الظروف مؤخرا تحت مسمى الترويج للمذهب الشيعى، وأصاب الدولة ورجالها هوس تجنيد مصر لمحاربة المد الشيعى وكأن كفار قريش قد عادوا بصحبة اللات والعزى لهدم الإسلام.
هل تتخيل أن تهمة جديدة كانت تطارد عددا من المصريين فى السنوات الماضية اسمها «الترويج للمذهب الشيعى»، هل تتصور أن بعضا من أبناء مصر خلف القضبان وبعضهم يخشى من التعبير عن هواه الدينى خوفا من أن يتهمه أحدهم بالترويج للمذهب الشيعى؟، أى تهمة فى ذلك إن كان قد حدث، وأى رعب من ذلك إن كان يحدث، وهل يعنى هذا أننا نشك فى هشاشة ما نؤمن به نحن الأغلبية لدرجة تدفعنا لأن نصاب بكل هذا الهوس من أقلية تنتمى لنفس الدين؟ هل تقلقنا قنبلة إيران النووية التى لم تولد بعد ولا ترتعد قلوبنا خوفا من مئات القنابل الإسرائيلية المخزونة قرب حدودنا؟.. الأسئلة كثيرة ومربكة وبلا إجابات سوى أن هناك شيئا آخر غير المذهب الشيعى والوتر الدينى الذى تعشق حكوماتنا العربية العزف عليه هو الذى يحرك كل هذا العداء تجاه إيران والشيعة كلهم.
شىء آخر قد يجعلنا نستيقظ صباحاً على مذبحة دموية أمام العتبات المقدسة يروح ضحيتها كل من ذهب ليتبرك بالحسين أو يكنس السيدة زينب على اعتبار أنه واحد من المروجين للمذهب الشيعى، لا تصدق الحواديت العربية الضخمة عن المذهب الشيعى ولا تدعها تتلاعب بعقلك، فالشيعة ليسوا جرادا جاهزا لأجل الأخضر واليابس، هم مثلك أناس آمنوا بربهم، وصدقوا بنفس رسولك، وربما يكون أحدهم زميلا لك فى العمل أو جاراً لك فى السكن، فليعبد نصرالله ربه بالطريقة التى يحبها، ولتسيّر إيران أمورها على المذهب الذى تريده، ولتكن مصلحتنا فقط هى الخط الأحمر الذى نحدد عليه من نكره ومن نحب.