كنا ننوى الكتابة عن آراء السيد وزير الداخلية فى المؤتمر الصحفى الذى أعلن فيه القبض على القتلة الذين اغتالوا شخصاً بريئاً أمام الناس، لأنه لم يستمع «لنصائحهم» فإذا الوزير الهمام الذى يمثل الدولة والقانون يعلن أن الموضوع ليس سوى خناقة لو استمع فيها القتيل «لنصائح قاتليه الملتزمين» دينياً لما قُتل.. وبالتالى فهو يوجه رسالة إلى الجميع أنه لا دولة ولا قانون ولا حماية للأرواح.. عليكم فقط «الالتزام» وسماع نصائح القتلة حتى نسلم جميعاً من القتل.. وهى رسالة قد وجهها لنا الوزير الهمام منذ ثورة 25 يناير «مع فلوله» عندما تم تجاهل إغلاق محلات الخمور التى لديها رخصة قانونية بقوة سلاح البلطجة، وكذلك قتل عازفى الموسيقى، غير عشرات الجرائم المتنوعة التى يتم تجاهلها عن عمد والتى فهم منها هؤلاء القتلة أن الطريق مفتوح وممهد بصمت الدولة بل تواطؤها لتحقيق الهدف المزدوج:
1 - إثبات أن الشعب لن يستطيع مواجهة هؤلاء إلا بالخضوع التام لعودة جهاز الشرطة بشروطه القديمة التى ثار عليها الشعب وطالب ببديل إنسانى وحضارى يؤكد دور الشرطة العظيم فى خدمة الشعب لا قهره وإذلاله.
2 - تكريس الدولة الدينية عبر اختراقات جهاز الشرطة، والبادئ بموضوع التمييز على طريقة تربية اللحى والذقون، وانتهاء بتقسيم الوطن إلى مناطق نفوذ ينجح فيها المتطرفون فى منع إدلاء إخوة فى الوطن من التصويت بقوة السلاح.
كنا ننوى طرح هذا الموضوع الذى أسفرت معالجة الدولة له عن إلغاء مئات الحجوزات السياحية حيث استنتجت شركات السياحة أن الدولة المصرية غير مهتمة بحماية الناس وأن تستمع إلى «معايير» المتطرفين فى التقييم الأخلاقى والحكم عليهم بل تنفيذ الحكم فوراً فى الشارع وأمام جمهور المشاهدين.. والأمر المضحك الذى يبكينى حقاً أن أحد زعماء التطرف رأى أن التغطية الإعلامية بها مبالغة وأنه حريص على السياحة لذلك يجب عدم الاهتمام بالدماء التى تسيل طالما تم «التعتيم» عليها، وعدم المبالغة فى شأنها.
وفاجأنا رئيس الجمهورية المتنخب بفعل لا يقل تطرفا بعد أن تفاءل البعض بحالة من الاستقرار سادت الأوطان يتمكن فيها الرئيس بصلاحياته الحالية الواسعة، من حل المشاكل المزمنة والمستعصية على الحل.. هل مصر «الآن» بحاجة إلى مجلس مطعون فى شرعيته أم إلى تضافر كل الجهود لإنجاز الأمن وإنهاء مصادر التسيب والانفلات ووقف هدر الموارد والانهيار الاقتصادى ووضع دستور حديث لوطن طال شوقه للحرية والحياة.. هذه إنجازات كنا ننتظر أن يوليها الرئيس أولوياته فى ظل تضميد جراح معركة انتخابية وسياسية ضارية وإعادة تجميع قوى المجتمع على الحد الأدنى، لا إشاعة الفرقة الناجمة عن رغبات التكويش والاستحواذ على كل السلطات وإهدار مبادئ الدولة الحديثة بدخول معركة قمع سلطات قضائية بل الهجوم الفج على أعلى محكمة فى البلاد والمطالبة بتطهيرها.. والمقصود بالطبع خضوعها لمطالب الجماعة.. قبل أن تتطهر أجزابهم وجماعاتهم من كل أشكال الخروج على القانون والمجتمع واعتبار أنفسهم دولة داخل الدولة لا تخضع لقوانين المجتمع وتسعى لفرض الاحتكار والسيطرة الكاملة على كل مقدراته تمهيداً لسرقة الثورة وتحويل الوطن إلى دولة دينية خالصة تخاصم العصر والتاريخ والحياة كلها.
يا دكتور مرسى.. لديك صلاحيات هائلة لماذا لا تستخدمها؟
يا دكتور مرسى.. زيارة لتركيا كانت «أبرك» من السعودية.. لعلك تتعلم من تجارب «المواجهة» كيف تغلب مصلحة الوطن على كل شىء.. الموضوع ليس «خناقة» بل مصير بلد لا يعنيه سوى من يتصدى لحل مشاكله ووضع حد لمعاناته التى لا تنتهى.