رأيت وجهها البرئ لأول مرة فى فيلم " الثورة خبر" الذى انتجته مؤسسة المصرى اليوم والذى يوثق لأحداث ثورة 25 يناير والجرائم التى ارتكبها نطام مبارك ضد الثوار بالصوت والصورة من خلال عرض تجربة 6 صحفيين قاموا بتغطية أحداث الثورة وتوثيقها بكاميراتهم وأقلامهم والصراع الذى عاشوه خلال هذه الاحداث بين واجبهم المهنى فى التغطية المحايدة وبين انحيازهم الوطنى لثورة تاريخية على نظام ظالم طالما حلموا مثل باقى الشعب باسقاطه .
كانت شيماء عادل أصغر هؤلاء الصحفيين السته النابهين " سماح عبدالعاطى ونورا يونس وأحمد عبدالفتاح وأحمد رجب ومصطفى بهجت." لايتجاوز عمرها 25 عاما , فتاة تشبه كل بنات مصر ملامحها البسيطة تجمع بين البراءة وقوة الشخصية والإصرار والثقة بالنفس .
تحدثت شيماء عن تجربتها حين رأت لأول مرة جثة أحد شهداء الثورة وعن الصراع الذى تولد بداخلها للحظات بين حرمة تصوير الميت وبين اهمية توثيق هذا الحدث لعله يصبح دليلا على جرائم النظام . كلمات قالتها ببراءة وبساطة تعبر عن حرص هذه الصحفية الشابة النابهة على محاسبة النفس ومراعاة أخلاقيات المهنة وحرمات الأخرين .
ويبدو أن شيماء التى بدأت حياتها الصحفية قبل التخرج بزيارة الى غزة قد أخذت عهدا على نفسها بتوثيق ثورات الربيع العربى عن قرب مهما كانت المخاطر , وقررت ان تشق لنفسها طريقا صعبا يخشاه الكثيرون , ذهبت الى ليبيا فى اصعب فترات الثورة الليبية وعاشت مخاطرها وأحداثها وأجرت تحقيقات صحفية مميزة كعادتها من أرض المعركة .
لم يرهبها الخوف من أنظمة ظالمة لا حدود لجرائمها , ذهبت الى سوريا لتنقل أحداث ثورتها من ارض الواقع وتجسد بالقلم والكاميرا ما يعانيه الشعب السورى الثائر .
تعرضت للموت أكثر من مرة , ذهبت الى أدلب وطاردتها طلقات النيران والمدفعية الثقيلة , رأيتها بعد أن عادت من سوريا مكسورة الساق تتحدث عن الرعب الذى عاشته حتى تؤدى عملها على اكمل وجه , تحدثت كمراسلة حربية على أعلى مستوى وصفت كيف كانت تزحف على الارض لمسافة بعيدة لتتقى طلقات النيران هى ومجموعة من رفاقها الصحفيين والدليل الذى يرشدهم بينما تعوى حولها الكلاب وكيف اصيبت على الحدود وسقطت لتنكسر ساقها ولكنها عادت ومعها حقائق كثيرة وتحقيقات قوية تجسد صورة حقيقية لما يحاول النظام السورى اخفاءه .
وأخيرا ذهبت شيماء الى السودان لتمارس عملها فى تغطية أحداث مظاهرات السودان , ولكن تم اعتقالها من قبل المخابرات السودانية وظلت لمدة 11 يوما دون ان يعرف أحد مكانها ودون أن يتمكن السفير المصرى فى السودان من مقابلتها والاطمئنان عليها ومعرفة سبب القاء القبض عليها .
11 يوم مرت ظل خلالها مصير شيماء مجهولا وهو ما دفع اسرتها وزملاءها الى الدخول فى اعتصام مفتوح لحين الافراج عنها , كما أضربت والدتها عن الطعام حتى يطمئن قلبها على ابنتها حتى فوجئت باتصال منها تؤكد فيه أن السفارة المصرية بالسودان لم تحرك ساكناً، ولم تتدخل بأي شكل من الأشكال لحل أزمتها هناك .
فهل يعقل ان يكون هذا هو رد فعل الخارجية المصرية بعد الثورة على اعتقال فتاة مصرية دون تهمة خارج حدود وطنها لتبقى شيماء مجهولة المصير لمدة تقرب من اسبوعين دون ان تحرك السلطات المصرية ساكنا .
واذا كان الرئيس مرسى قد وعد بان يصون كرامة المصريين فى الداخل والخارج فهل غمض جفنه طوال هذه المدة التى ظلت خلالها شيماء مجهولة المصير دون أن يعرف احد شيئا عن مكانها وحالتها وكيف يتم التعامل معها ؟!
شيماء ياسيادة الرئيس فتاة مصرية من رعاياك تم القبض عليها بلا تهمة سوى أنها ذهبت لأداء عملها , وحتى وان كان هناك تهمة تدعيها السلطات السودانية فمن حقنا ان نعرف ما هى هذه التهمة وأن يلتقى السفير المصرى بالسودان بشيماء وان يعرف مكانها وحالتها .
قضية شيماء ياسيادة الرئيس ليست مجرد قضية صحفية تعرضت للاعتقال ينشغل بها الوسط الصحفى فقط ولكنها قضية مواطنة مصرية تستغيث فى سجون دولة اخرى , قضية كرامة مصرية طالما حدثتنا عنها ووعدت بالحفاظ عليها , وتنفيذ هذا الوعد كان يتطلب أن تكون أول من يسمع استغاثة شيماء وأول من يحرص على الاطمئنان عليها وعلى طمأنة والدتها وأسرتها و ألا يغمض لك جفن حتى تجيرها فتعود سالمة الى أسرتها ووطنها , وهذا هو المحك والاختبار الحقيقى لوعود نأمل أن تدخل حيز التنفيذ .