لا أصدق من يتكلمون باسم فقراء الوطن وهم دون استثناء أسماء رنانة حفظناها عن ظهر قلب من كثرة ظهورهم على شاشات القنوات الفضائية حتى أن أكثرهم ينتقلون من لقاء على شاشة البرنامج الفلانى ليدخل آخر، ويتحدث بنفس الكلمات مرتدو عباءة الناصح الأمين والمخلص لوطنه والمنتمى لمواطنيه، وهو الأمر الذى يجعلهم دائما أمامنا ضمن مجموعة ما يسمى النخبة، هذا المسمى الغريب والمريب الذى سمى به مجموعة من المواطنين لا نعرف من أين حصلوا عليه وما مؤهلاتهم ليتحدثوا باسم شعب بأكمله، ولن ننكر أن من بينهم من يستحق هذا اللقب نظرا لتاريخه المعارض من قبل للنظام السابق، ولكن للأسف أكثرهم لم نكن نسمع لهم صوتا معارض بل اكتفوا بالصمت المريب، صمت المتستر على ما يحدث حتى لا تتعرض مصالحهم لسوء، وهناك ممن انقلبوا على القديم "النظام السابق" ليوجدوا لهم مساحة فى النظام الجديد ولا يوجد مؤهلات لديهم غير ظهورهم فى برامج التوك شو عبر العلاقات والمعارف، وإذا جلست معهم قبل دخولهم على الهواء وظهورهم بالبرامج ستجد كلامهم مغاير ومفسر بشكل مختلف عما يتحدثون به أمام المواطنين، والسبب واضح مهما اختلفا، لعبة المصالح الشخصية التى يستطيعون الحصول عليها من خلال حديثهم بالبرامج ومداعبة أصحاب القرار أيا كانوا، حتى أننا وجدنا أعداء الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم، دون مبادئ أو قيم فى الحياة غير أنهم ملتزمين بالمبدأ الأزلى، بأن السياسة هى اللعبة القذرة فى الحياة فليس لهم قواعد أو أصوال غير تحقيق المصالح.
هؤلاء من يسمون بالنخبة يتحدثون من باب عالى، فتجد بعضهم يتقاضى مقابلا نقديا مقابل ظهوره فى البرامج وإعطاء رؤيته لحل مشاكل، تحت مبدأ ادفع لتحصل على النصيحة، وهناك غيرهم الذى يحصل على ما يبتغى من مصالح عبر حديثه فى البرامج التليفزيونية برفع سعره بين أقرانه لأنه أصبح الأشهر وليس الأكفأ، هؤلاء من يسمون بالنخبة ينعمون بالحياة الرغدة والأرصدة البنكية، فلا مشاكل حياتية لديهم إلا تحقيق المصالح والحفاظ على ما لديهم من أموال ولا مانع من الزيادة، وفى الغالب تتحقق أهدافهم، والفضل كل الفضل للقنوات الفضائية التى تفضل استضافة هؤلاء لعلاقات بينهم وبين القائمين على هذه القنوات "مصالح مشتركة " من أجل التحدث عن مشاكل المجتمع ومواطنيه، كان المواطن البسيط قد أخرس الصوت، ووكأنهم حجروا عليه، وأعلنوا حكمهم أنه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وتناسوا أنه الأقدر بالحديث عن مشاكله، وكما قال المثل الشعبى "اللى أيده فى النار مش زى اللى أيده فى المية".
هؤلاء النخبة قد تاجرت بأحلام المواطن المغلب على أمره، قليل الحيلة، من أجل مصالحهم الشخصية ولم يجن منهم المجتمع أو المواطنين الفقراء إلا الكلام فلن تجد منهم متبرعا لأحد ولا رحمة من أكثرهم، بل إنهم يعاملون من يعمل لديهم معاملة، السيد للعبد، وتجد أكثرهم يمتلك أدوات الظهور الإعلامى والجرأة فى مواجهة الكاميرا فيتحدثون عن الفقراء كأنهم منهم، ويطالبون لهم بالحقوق، والفقراء منهم براء، فليس فيهم من يعانى مما يعانى منه المواطن البسيط من أنبوبة البوتاجاز ورغيف عيش وغيرها الكثير، بل يسكنون أفخم الشقق والفيلل ولديهم ما يغنيهم عن السؤال لسنين كثيرة ولم يفكر أيا منهم بمساعدة فقراء البلد فتجدهم دائما ينصحون الناس بالتبرع للوطن لمساعدته للخروج من محنته، متناسين أنه وطننا جميعا ولكنهم ينصحون بالحديث وقد يتبرع بعضهم بوقته فى الظهور بالإعلان لنتبرع جميعا، ولكنهم ينسون أنفسهم بأن يكونوا قدوة، وليعلن كل منهم كم تبرع هو ليكون قدوة لنا جميعا.
أنهم يقدمون لنا ديمقراطية الرفاهية، ويتحدث عن مشاكلنا وهم لا يعانون منها، من يتحدثون عن فقراء الوطن وما يعانوه فى المعيشة، وأنهم يتحدثون عن المرتدين للملابس البالية وهم يرتدون أفخر الأنواع ويعيشون فى أفخم الأماكن والعقارات.
يا من تسمون بالنخبة، ارفعوا أيديكم عن فقراء هذا الوطن ولتعلموا أنكم لن تنعموا بالأمن والأمان طالما أن فقراء هذا الوطن يزدادون فقرا كل يوم ولتتقوا الله شيوخا ومحامين ودكاترة وكل فئات المجتمع ولتكونوا القدوة والمثل ولتعلموا أن التاريخ لن يرحمكم.