د. أحمد الصاوى

قائم مقام اللسان الرئاسى

الإثنين، 16 يوليو 2012 09:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أعاجيب هذه الأيام أن يفقد المراقب السياسى القدرة على التنبؤ بمسلك رئيس الجمهورية "المنتخب"، وأن ينتاب الجميع القلق كل صباح حيال القرارات التى قد تصدر، وحتى تجاه تلك التى لم تصدر، وهو أمر يناقض حالنا مع المخلوع مبارك، فرغم الاستياء العمومى من قراراته فقد كان بوسعنا توقع ردود فعله ببساطة شديدة، ليس لأن الرجل يلتزم جادة القانون والدستور ـ لا سمح الله ـ ولكن لوضوح توجهات حكومته وتكوينها الطبقى وتحالفاتها الإقليمية والدولية. بالاختصار كان نظام مبارك الذى لم نختره "مفهوما" على نحو ما بقدر ما كان مرفوضا.

أما حالنا مع تباشير مفردات النظام القائم بدءاً من المجلس العسكرى ومرورا بالبرلمان "الراحل"، وانتهاء بالرئيس "الراهن" فيلخصه عنوان واحد هو "مبروك جالك قلق".

ففى الوقت الذى تتوقع فيه منطقيا أن يسارع المجلس العسكرى لصياغة دستور تجرى وفقه الانتخابات التشريعية والرئاسية إذا به يسألنا فى الاستفتاء النكبة عن وضع عربة الانتخابات أمام حصان الدستور، وبينما تتوقع من برلمان منتخب أن يعمل من أجل صياغة تشريعات تقضى على الفساد الحكومى إذا به ينشغل بالتراشق مع السلطة القضائية.

أما ثالثة الأثافى فهى أن تتوقع من الرئيس المنتخب بغض النظر عن مدى الاجماع الوطنى عليه أن يكون واضحاً فى الوفاء بقسمه الرسمى، وبالوعود التى بذلها سخية عشية جولة الإعادة فإذا به يزرع فى النفوس القلق من كل تصريح أو قرار ينقله عن لسانه "القائم بأعمال المتحدث الرسمى باسم رئيس الجمهورية"، تلك الصفة المؤلفة من سبع كلمات لذات الرجل الذى كان يوصف من قبل بأنه المتحدث الرسمى باسم حملة الدكتور محمد مرسى.

والحقيقة إن أول بوادر القلق والحيرة ظهرت مع توقف السيد الرئيس عن الكلام "لأهله وعشيرته" منذ انتصاف نهار أدائه اليمين الدستورية مرتين متتابعتين سبقهما بيمين ثالث فى ميدان التحرير، أى أنه أقسم يمينا مغلظا بالثلاثة على احترام عدة أشياء من بينها أو قل على رأسها الدستور والنظام الجمهورى.

ففى خضم "الصمت الرهيب" الذى ران على الرئيس المنتخب من مغيب شمس اليوم الأول فى رئاسته، إذا بنا نرى بين الفينة والأخرى "قائمقام اللسان الرئاسى" يخرج للصحفيين ممسكا بورقة يقرأ منها تصريحات، بل وقرارات، أو إن شئنا الدقة قرارين، أحدهما خاص "بديوان المظالم"، والثانى بإلغاء قرار المجلس العسكرى بحل مجلس الشعب.

وبغض النظر عن الممحاكات اللفظية التى تحدثت عن أن القرار الجمهورى يسحب قراراً تنفيذياً سابقاً، ولا يتعرض لحكم القضاء، فإن جلية الأمر أنه عدوان على حكم قضائى واستهانة غير مسبوقة بالمؤسسة الدستورية الأرفع فى البلاد، إذ إن القاصى والدانى يعلم أن قرار حل البرلمان كان "قرارا كاشفا" لحكم بات لا معقب عليه أصدرته المحكمة الدستورية العليا.

ومن لا ينتابه القلق وتسكنه الحيرة من أن الرئيس المنتخب شغل نفسه طوال العشرة الأيام الأولى من حكمه فقط، بأمر تدبير وسيلة للتحلل فعليا من يمين أقسمه مغلظا باحترام الدستور والقانون.

وجانب من القلق يأتى من طريقة الإعلان عن تعليقات السيد الرئيس، وقراراته عبر "قائمقام اللسان الرئاسى" لأسباب عدة، أولها أن الرئيس وعد غير مرة قبل انتخابه أن تكون مؤسسة الرئاسة "معبرة عن الاجماع الوطنى"، فإذا بنا أمام فريق رئاسى يتصدر مشهده المتحدث باسم حملته الانتخابية، ولم يصدر حتى اللحظة توضيح واحد عن "الوضع القانونى" للقائم بأعمال المتحدث.

وأظن أنه من حق الشعب أن يعرف "بوضوح وبشكل رسمى" المواقف القانونية والمؤهلات والخبرات التى يتصف بها من يعملون فى مؤسسة الرئاسة، ولو بشكل مؤقت، فذلك من دواعى الشفافية من ناحية، وتوكيدا للمحاسبية من جهة أخرى فنحن دافعو الضرائب وحدنا، ودون سوانا من البشر الذين يحق لهم أن يعرفوا لمن، ولماذا يدفعون الرواتب، وحتى من يدفع الأجور والرواتب، للذين يعملون فى خدمتنا درءاً لتعارض المصالح، ناهيك عن مصادر دخلهم وثرواتهم طالما أصبحوا موظفين عموميين.

ولا أعتقد أنه من المناسب القول إن "قائمقام اللسان الرئاسى" يعمل متطوعا فى هذا الموقع الرسمى، أو أنه يعمل بصفة شخصية مع الرئيس مرسى، فموقع الرئاسة هو موقع رسمى بامتياز، ولا مجال فيه لأى اعتبارات شخصية، كأن يوظف الرئيس قريبا أو نسيبا أو صديقا، وحتى القول بتطوع البعض للعمل يلقى ظلالا كثيفة من الشكوك حول "الولاء"، خاصة إذا كانت صفاتهم السياسية غير خافية على الرأى العام.

أقول ذلك بمناسبة وعود قطعها الرئيس على نفسه بأن تكون مؤسسة الرئاسة معبرة عن الإجماع الوطنى، وأن يكون رئيسا لكل المصريين يقف على مسافة واحدة من جميع القوى، ولأننى أحس بأن تلك الوعود ما برحت بعيدة المنال ليس فقط لأن قرار إحياء ما أماته حكم القضاء يصب مباشرة فى مصلحة الحزب "السابق" للرئيس، ولكن أيضا لأن أروقة مؤسسة الرئاسة حتى اللحظة تدار بشكل حزبى خالص.

ويزيد الطين بلة أن "المطبخ الرئاسى" يتبع سياسة باطنية لا تليق بدولة القانون، فلا مشاورات معلنة ولا مناقشات موسعة قبل اتخاذ قرار خطير فيه مساس فج بسلطة القضاء، والقول إن القرار نبت من رأس الرئيس وحده دون مشاورة مع أحد كذب بواح فيما أظن، ومصيبة كبرى لو كان قد حدث، والمصيبة أعظم لو أنه صدر بمشورة مستشارين "سريين"، ليس باعتبار الطريقة الخفية لعملهم، ولكن لضيق الأفق لديهم، ناهيك عن الجهل بالقانون والدستور، أو بالأحرى الميل الكامن للتلاعب بهما، وإهدارهما قبل ذلك وبعده.

إننا على مفترق طرق فى شأن مؤسسة الرئاسة، ومدى قدرتها على دعم دور الرئيس باعتباره "حكما بين السلطات"، فإما ذاك الاعتبار وما يقتضيه من شفافية فى تعيين من يعملون بها لمساعدة الرئيس، وإما أن نكف عن "هرطقات" ومزاعم حيادية مؤسسة الرئاسة، ونعترف بوضوح أن رئيس الجمهورية، ومن يعملون فى معيته تعبيراً صادقاً وكاملا عن رؤية حزب الحرية والعدالة، أو بالأدق جماعة الإخوان المسلمين، ولا تثريب فى ذلك، طالما بات الأمر معلناً بنزاهة ودون تخفٍ وراء تأويلات لن تغنى من الحق، أو تحجب من الحقيقة شيئا.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة