د. فتحى حسين

أزمة الصحافة القومية

الأربعاء، 18 يوليو 2012 12:54 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يمكن أن تقوم الصحافة برسالتها السامية فى أى مجتمع من المجتمعات، باعتبارها أداة للمعرفة والتنوير والتثقيف والتوجيه والإحاطة بمختلف شئون المجتمع، ووسيلة لكشف ما يظهر فى المجتمع من سلبيات، إلا فى ظل علاقات عمل صحفية مستقرة يستطيع الصحفيون من خلالها أن يمارسوا دورهم المطلوب، وهم آمنون فى يومهم وعلى مستقبلهم المهنى، وبلا توتر أو اضطرابات.

ويعد يوم 24 مايو من عام 1960 هو البداية الحقيقية للصحافة القومية فى مصر، عندما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قانون تنظيم الصحافة فى نفس اليوم، وهو القانون الذى أطلق عليه فيما بعد قانون تأميم الصحافة، والذى بمقتضاه تم إخضاع الصحف المستقلة والخاصة المملوكة للإفراد والعائلات آنذاك مثل عائلة أبو الفتح، وآل تقلا، وآل أمين.. إلى ملكية الاتحاد الاشتراكى، ثم إلى الاتحاد القومى، ذلك التنظيم السياسى الوحيد الذى كان موجودا آنذاك وكان يرأسه رئيس الجمهورية، وتم تعويض أصحاب الصحف الأصليين عن نزع ملكيتهم لصحفهم..

وبلا شك أن علاقات العمل الصحفية فى المؤسسات الصحفية القومية التى تمتلكها الدولة ملكية خاصة ممثلة فى مجلس الشورى بمقتضى المادة 55 من قانون تنظيم الصحافة 96 لسنة 1996 ، والتى تصدر مجتمعة 55 صحيفة، والبالغ عددها ثمانى مؤسسات - بعد أن تم دمج مؤسستى دار التعاون ودار الشعب عام 2009 فى أربع مؤسسات صحفية، هى الأهرام وأخبار اليوم ودار التحرير والشركة القومية للتوزيع- قد أحاطها خلال ما يقارب العامين بعد ثورة 25 يناير – بعض الظلال التى وصلت إلى حد التوتر والقلق فى هذه المؤسسات نتيجة استمرار التدخل السافر من قبل مجلس الشورى المالك الفعلى لتلك المؤسسات، وفقا للمادة 55 من القانون فى وضع معايير اختيار رؤساء تحرير وإدارة المؤسسات الصحفية القومية بشكل غير مهنى أو غير موضوعى، وفيه تهميش متعمد لنقابة الصحفيين ومجلسها، وهى معايير لا تتناسب مع اختيار محرر تحت التمرين وليس رئيس تحرير صحيفة قومية يمولها المواطن المصرى.
ومن ناحية أخرى، هى معايير بلا شك تسىء للمهنة السامية صاحبة الجلالة ولمنصب رئيس تحرير صحيفة قومية كان يشغلها من قبل كتاب وأدباء كبار أمثال محمد حسنين هيكل ويوسف السباعى ويوسف إدريس وطه حسين وأنيس منصور وغيرهم من الكتاب العظام، بل مثل هذه المعايير تقلل من منصب رئيس التحرير وأهميته، خاصة وأن من بين شروطها التقدم بأرشيف عمل، وتخطى اختبارات اللغة العربية وشروط أخرى ما أنزل الله بها من سلطان،

لذا فالثورة التى قام بها الشعب المصرى فى 25 يناير تحت شعار "حرية- كرامة -عدالة اجتماعية" لم تقم لترسيخ سيطرة مجلس الشورى بأغلبيته الإسلامية السياسية المتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين على الصحافة، وكان على مجلس الشورى أن يسعى إلى تغيير القانون ويربأ بنفسه عن التدخل فى شئون الصحافة ومعايير اختيار رؤساء التحرير وألا يمارس دور الحزب الوطنى المنحل، والنظام السابق فى عهد المخلوع حسنى مبارك، عندما كان يرسل أسماء رؤساء التحرير من قصر العروبة ولجنة السياسات لكى يصدق عليها صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق.

لذلك فلابد من إعادة هيكلة المؤسسات الصحفية القومية بمعنى إجراء تغييرات قانونية فى أسلوب اختيار رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير، وأن يكون هناك مجلس أو هيئة وطنية مستقلة تتكون من شيوخ مهنة الصحافة وكبار كتابها ومجلس النقابة المنتخب وممثل واحد عن مجلس الشورى تكون مسئولة شئون الصحافة القومية وإختيار رئيس تحرير وإدارة هذه المؤسسات بعد إقرار القانون المعد من قبل النقابة فى البرلمان المصرى بشكل يبعد أيدى مجلس الشورى عن التدخل فى تعيين رؤساء تحرير الصحف وإدارة الصحف ويقتصر دوره على الرقابة ومناقشة الميزانيات.

وينبغى تشكيل لجان متخصصة تتكون من خبراء صناعة الصحافة لتقييم أصول هذه المؤسسات ومن ثم تحديد قيمة الأسهم المتداولة للجمهور والصحفيين، وضرورة إعادة النظر فى المؤسسات الخاسرة، وكذلك صحيفة اقتصادية أو فنية واحدة لكل مؤسسة من الصحف القومية، ولابد من تشكيل لجان متخصصة لفحص الاوضاع المالية والتشغيلية للصحف القومية خلال الفترات السابقة ورصد حالات إهدار المال العام وجمع المستندات اللازمة وإحالة جميع المتسببين فى هذا الى المحاكمة ، واسترداد الأموال المنهوبة وعودتها إلى المؤسسات مجددا.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة