عندما يعرض التلفزيون فيلما من الأربعينيات من القرن الماضى غالباً ما يصاب المشاهد بحالة من الملل، خاصة إذا كان المشاهد من أبناء جيل مختلف.. وهذا طبيعى فالأداء الدرامى يختلف من زمن لزمن ومن الطبيعى أن يصبح الأداء الدرامى للأزمنة القديمة غير ملائم لميزاج أبناء الأزمنة الحديثة ويكون أكثر سذاجة وفجاجة، وهذا يعنى أهمية تطوير الأدوات.
راودتنى هذه الفكرة عندما داهمتنى أجهزة الإعلام بكمية أخبار مكثفة عن عودة زميلتنا الصحفية شيماء من أسرها فى السودان بصحبة الرئيس المصرى من أثيوبيا، وصورت أجهزة الإعلام المشهد فى صورة بطولية، وكأن السيد البدوى عاد بالأسرى، وأرجو أن يتسع صدر صاحب الموقف المبيت لما سأقوله، خاصة الكتائب الإعلامية الإخوانية القابعة وراء أجهزة الكمبيوتر للثناء على المواقف والكتابات أو تشويهها حسب نيتة مصالح جماعتهم.
ما علينا.. عودة شيماء من الأسر هدف اجتمع عليه كل المصريين بكل اتجاهاتهم، وبذل زملاؤها الإعلاميون كل وسائل الضغط المتصاعد حتى حصل مجلس نقابة الصحفيين المصريين على وعد مسبق بالإفراج عنها فى نفس اليوم الذى تم فيه الإفراج عنها، واصطحبتها طائرة إلى أثيوبيا لتعود فى مشهد تمثيلى مع البطل الرئيس فى طائرته، والبطل الحقيقى هنا هو الشعب المصرى وزملاء الأسيرة من الصحفيين والإعلاميين وأهلها.
المشاهد الشعبوية للرؤساء هى سيناريو متكرر على مر العصور وهى شىء حميد وليس مكروها، ولكن ليس له دلالة على نجاح الرئيس فى الحكم أو فشله، فهذا مرتبط بما سيحققه من تنمية فى البلاد، وليس بعدد مشاهد ومواقف البطولات الصحفية والسينمائية.. ويحضرنى من هذه البطولات الاستعراضية موقف الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى أواخر التسعينيات عندما قام مواطن مصرى باقتحام القنصلية الإيطالية فى مصر وهو مسلح، واحتجز عدد من الموظفين، وقام الجيش المصرى بتحرير السفارة والقبض على المواطن المصرى، وتبين أنه من أصحاب الحقوق فى إيطاليا، بعد أن عمل هناك سنوات وطرده صاحب العمل دون صرف مستحقاته، ولم تنصفه الحكومة الإيطالية فاضطر إلى فعلته، وفى موقف صورته أجهزة الإعلام تصويرا بطوليا أمر مبارك بالإفراج عن المواطن المصرى، واتخاذ كل السبل لإعاده حقه، وبالطبع كانت التعليقات الإعلامية على هذا الموقف من المخلوع تشابه التعليقات حول موقف المرسى "رئيس ابن بلد"، "ريس عترة"، "حاسس بالشعب".. إلخ
ومن قبل هذا المشهد وتحديدا فى نوفمبر 1985 اختطف المجاهدون الفلسيطنيون سفينة إيطالية وأثناء الأحداث توفى مواطن أمريكى، وكانت لهم مطالب عادلة خاصة بقضيتهم لتحرير وطنهم، ويومها كان لمبارك دور كبير أثار غضب الولايات المتحدة عندما ساهم فى نقل المختطفين إلى تونس بدلا من تسليمهم للولايات المتحدة، ووقتها صورت أجهزة الإعلام الموقف بالوطنى والبطولى على عكس ما قام به مبارك بعد ذلك بسنوات من تسليم اقتصاد مصر كله للأمريكان والصهاينة.
وقبل ذلك أيضا كان للسادات مشاهد سينمائية عديدة مع المواطنين والتى يصورها الإعلام بالبطولة أو البساطة مثل قيادة السيارة بنفسه ونزوله ليسلم على أحد المواطنين على غرار ساندوتش الفول بتاع عصام شرف، أو تعرض السادات لجمركة تلفزيون كان يحمله معه من بورسعيد.. إلخ
الخلاصة.. أقول لجهاز إعلام مرسى نصيحة: المصريون شبعوا من المشاهد العنترية خالية المحتوى، المصريون فى حاجة إلى سياسات تنموية وليس دعايات حول الرئيس، وحمدا لله على سلامة شيماء بفضل نضال المصريين وزملائها الإعلاميين من أجل الإفراج عنها وتحياتى لهم.