يتطلع الإعلام الحر إلى العمل فى أجواء ديمقراطية ويكافح من أجل إعلاء الحقيقة وينتظر الفرصة للإمساك بتلابيب الحرية، وقد ظن الجميع أن الإعلام المصرى سوف يكون أول المستفيدين من ثورة يناير ويرتدى جلباب الحقيقة بدلا من التشويه والتسطيح فى عهد المخلوع، ولكنه لبس ثوب الفئوية والمصالح الشخصية، كما توقع المصريين أن الثورة سوف تخرج الإعلام من عباءة السلطان وتحول الإعلاميين، خاصة فى الإعلام الحكومى من موظفين يمدحون المخلوع ليل نهارعلى انجازاته الوهمية إلى مهنيين يمارسون دورهم الحقيقى فى الإرشاد والتوعية ونقل الحقائق كما هى، ولكن الشاشات والصحف أتت بما لا يشتهيه المواطنين وسارت فى درب الفتن والمصالح الشخصية والحزبية.
لقد ظهر الإعلام خلال الأيام الماضية بصورة أشبه بما كان عليه خلال الأيام الأولى للثورة المصرية عندما كان ينقل التليفزيون المصرى للعالم مشاهد من كورنيش النيل، متجاهلاً الثورة المصرية فى الميادين والشوارع من أجل رضا المخلوع، كذلك ظهر التليفزيون المصرى خلال الأيام الماضية متجاهل أخبار رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى، وكأنها لاتهم المصريين وكأن الرئيس يحكم دولة أخرى ، فمر خبر زيارة الرئيس للسعودية ومباحثاته هناك ولقائه بالجالية المصرية، وزيارة أديس أبابا وجهوده فى إصلاح ما أفسده مبارك وزمرته ولقائه مع المستثمرين ورجال الإعمال وغيرها من الفعاليات مرور الكرام، بينما كانت أخبار غيرذات قيمة فى مقدمة النشرات الإخبارية، وتمنح الفرصة للسفهاء والمتطاولين أن يتحدثوا عن أمجادهم وإنجازاتهم غير الموجودة سوى فى خيالهم، بل إن بعضهم يشارك فى عملية التخريب والفوضى الأمنية التى تتم وفق خطة منهجية ومدبرة ممن يهاجمون الرئيس ولايرغبون فى الاستقرار.
لا نتمنى أن يسيرالإعلام فى ركب النظام البائد ويجعل نشرات الأخبار كما كانت فى عهد المخلوع موزعة بين أنشطة الرئيس الوهمية وفعاليات سوزان الديكورية، ولكن لا يعقل أن يتم استبدال مدح المخلوع وزوجته بأشخاص آخرين على حساب الوطن والرئيس المنتخب.
لقد امتد تجاهل الرئيس إلى الصحافة حيث نشرت الأهرام خبر مشاركة الرئيس المصرى فى القمة الأفريقية بشكل لا يتناسب مع قيمة الرئيس المصرى ولا أهمية الحدث وخاصة أنه يأتى بعد انقطاع دام 17 عام أدت إلى ضياع الكثير من حقوق مصر فى مياه النيل وأفريقيا، بينما أفردت صدر الصفحة لخبر مكرر للمشير وكأن عودة مصر إلى أفريقيا وإصلاح ما هدمه المخلوع خبر بلا قيمة وأن المشير هو الرئيس الفعلى للبلاد وكلامه الأكثر أهمية ويجب أن يحظى بالتقديس مهما كان.
للأسف لم يتغير الإعلام للأفضل بل غير الشخصيات التى كان يمدحها فبدلاً من مدح مبارك وأعوانه أصبح يدافع عن المشير ورجاله ليس حباً فيهم، بل ضمان لتحقيق مصالح بعض الشخصيات ونكاية فى الإخوان المسلمين، وبذلك أسقط الإعلام مصالح الوطن والمواطنين وحقهم فى المعرفة من حساباته، خاصة فى ظل هؤلاء الإعلاميين الذين يغيرون مواقفهم وانتمائهم، كما يغيرون بزتهم فكانوا يدافعون عن مبارك ويعتبرونه هبة من الله للوطن ثم أصبحوا يعتبروه شخصية بلا قيمة سلبت حرية الوطن وأعاقت تقدمه زرعت فيه اليأس والبأس، وارتموا فى أحضان الأخوان وفجأة انقلبوا عليهم ثم عادوا ثم انقلبوا وهكذا كل يوماً فى شأن حسب المصلحة والحاجة.
لم يكتفِ الإعلام بتجاهل أخبار الرئيس بل أهان هذا المنصب وحاول تقزيم دوره وقيمته دون أن يدرك أنه بذلك يقزم مصر والمصريين الذين انتخبوا الرئيس، كما جعل للدولة رئيسين وليس رئيساً واحداً فعند الحديث عن أى فعالية يتواجد فيها الرئيس والمشير نجد اسم المشير مقترن بالرئيس وكأنه رئيس آخر للبلاد بنفس الدرجة والوظيفة مما يجعل الحديث عنهم مقترن بالأخر وليس تابعا له أو أقل منه فى الدرجة الوظيفية والمسئولية.
إن ممارسات الإعلام المصرى تؤكد أنه ليس فى حاجة إلى التطهير فقط، بل التطوير أيضا بعدما أصبحت الشاشات تعج بأجيال من السياسين والمسئولين والإعلاميين الذين تربوا على المدح والنفاق فسقطت المهنية من حساباتهم وأعلوا مبادئ التشويه والتضليل والتسطيح على مدار سنوات طويلة فكيف لهم أن يقودوا مسيرة التحول الديمقراطى الذى تشهده البلاد ويرسخوا قيماً جديدة وخصال حميدة فى المجتمع.
يجب أن يدرك الرئيس إن الإعلام هو المكينة التى قد تشعل النار فى الوطن إذا وجدت من يغذيها بوقود الفتنة والتضليل والتشوية، وقد يكون المكينة التى تقود الشعب إلى بر الآمان إذا تم تطويره وتطهيره من المنافقين والمتطفلين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن غيور
لسة الدنيا بخير