رمضان كريم، ومن أجل تسلية الصيام وتمضيته فى نهار طويل حار، ينشغل البعض بحل الكلمات المتقاطعة أو الألغاز وآخرون بمتابعة المسلسلات، والبعض ينشغل بشؤون السياسة التى لا تنتهى، ولا تخلو من فوازير وألغاز. فيما ينشغل آخرون ممن يعانون الفراغ بإصدار الفتاوى والأحكام والشائعات، فى شؤون الدين والسياسة، بحثا عن كاميرا تلتقطهم أو قناة تستضيفهم، ليمارسوا الكلام فى الأثير العام. أغلب هؤلاء سواء من تجار الفتاوى الدينية أو الوطنية، من كبار المتنططين على الموائد والمنصات، يمارسون الابتزاز والسب والقذف. وكثيرون من هؤلاء ظهروا بعد الثورة وبعضهم أطاح بالثوار الحقيقيين ليركب الموجة لمجرد أنهم قادرون على مخاطبة الإعلام أو كانت موبايلاتهم مفتوحة فى الميدان. فعينوا أنفسهم متحدثين فى كل حاجة، لا فرق بين متعصبين من مدعى التسلف ومتعصبين سياسيين ممن يتقلبون مع الكاميرات أو يبحثون عن أكثر نقاط الجذب والصدمة يجب أن تكفر شخصا ما أو تخون شخصا ما لتلتقط الأضواء.
وهؤلاء ينطبق عليهم المثل «الفاضى يعمل قاضى»، والفاضى الذى ليس عنده عمل ينشغل به، يشغل نفسه بإصدار أحكام على الناس. والفاضى أيضا هو الفارغ من القيمة. ونحن أمام عشرات وربما مئات «الفاضيين» الذين يفتون فى كل القضايا القانونية والقضائية، بأحكام متعارضة ومتعاكسة، أو يفتون فى شؤون السياسة حسب الهوى والمصلحة. يجملون القبيح، ويقبحون الجميل، ولديهم الاستعداد لعمل عجين الفلاحة أو نوم العازب من أجل أن تحن عليهم أى سلطة بمنصب أو مكسب.
مع كل حدث أو مصيبة أو موضوع أصبحت لدينا الخبراء المستعدين للفتى فى أى موضوع والإدلاء بآرائهم وأنفسهم وأرجلهم، يقولون الشىء ونقيضه، وجماعات من أنصاف العارفين مستعدون لتقديم تحليلات لأى واقعة، ونشر معلومات عن أى حدث تفوق ما هو متاح منها. فضلا عن رغبتهم فى استهلاك الشائعات والتعامل معها على أنها حقائق. ولا مانع من أن يحدثك عن الموضوعية وعدم الانسياق إلى الشائعات، بينما هو يستهلك من الشائعات مايكفى ويفيض.
ولدينا عشرات ممن عينوا أنفسهم مشايخ يفتون فى شؤون الدين والدنيا بكل ما هو غريب وصادم ومثير للكاميرات والغثيان. ومثلهم فى السياسة، ممن عينوا أنفسهم «فاهمين استربتيين»، ومتحدثين رسميين باسم الشعب والثورة بهدف الاتجار يمارسون التحليل يصدرون أحكاما فى الطريق العام.
وفى ظل حالة الاستنطاع الفضائى والرخامة الإلكترونية أصبحنا أمام حالة من الالتهاب الفتوى الفيروسى لدى قطاعات من الذين يزعمون انتماءهم لتيار سلفى هنا أو اتجاه سياسى هناك. اكتشفوا أن الشهرة أساسها الصدمة، وإصدار فتاوى شاذة أو غريبة تجذب الكاميرات. أسهل ما لديهم تكفير الناس دينيا أو تخوينهم سياسيا ووطنيا. يفعلون ذلك وكأنهم يلعبون فى أنوفهم. وهؤلاء لايشعرون بأى وخز للضمير وهم يمزقون عقائد غيرهم تكفيرا، أو وطنيتهم تخوينا. وكل منهم فاضى عامل قاضى.