كان رحيل اللواء عمر سليمان، نائب الرئيس السابق، رئيس جهاز المخابرات لما يقارب العشرين عاماً، مناسبة لمزج الواقع بالخيال، والأسطورة بالوهم. اكتشفنا بعد رحيل اللواء عمر سليمان أن لدينا مخزونا ضخما من كبار رجال الاستخبارات، يعرفون سر الأسرار، وعددا من المحللين الاستراتيجيين، يقدمون تحاليل «استعماقية» تتجاوز كل ملفات الـ«سى أى إيه»، وويكيليكس، الخيال فيها يتجاوز كل خيال، وتختلط الحقيقة بالتخيلات، والأمنيات بالمؤامرات، ومحللين وعالمين ببواطن الأمور، من معارضى سليمان ومؤيديه، كل منهم اجتهد ليقدم لنا سرا يثبت به ما هو غامض، فإذا به يستخدم ما هو شائعات.
وهى ظاهرة نمت وترعرعت فى ظل انفلات إلكترونى طويل التيلة، يفضل الشائعات على المعلومات.
والنتيجة أن كبار العالمين ببواطن الأمور، ممن يبدون كراهة وتناقضا مع أجهزة المخابرات، يظهرون مواهب مخابراتية طويلة التيلة، واسعة الخيال، تتجاوز هوليود وبوليود وميكى ماوس، وبفضلهم عرفنا أن اللواء عمر سليمان فى سوريا، وأبوظبى، وأمريكا فى وقت واحد، لأنهم يعرفون أكثر من أجهزة المخابرات المصرية والإسرائيلية والأمريكية، فهم خريجو مدرسة ويكيليكس التى جعلت الشائعات قاعدة استراتيجية، والتأليف طريقا لصناعة رأى عام تجسسى ينافس أى معلومات.
الإعلان عن وفاة عمر سليمان أطلق الشائعات، والشائعات المضادة، وانقسم الخياليون إلى فرق تصفيق أو تصفير، وفضلوا التعامل مع الشائعات على الحقائق. أراد خصوم الرجل الانتقام منه، وأطلقوا كلاما عن أنه قتل فى تفجير خلية الأزمة فى دمشق، وتم نقله إلى أمريكا، ونشر البعض صورة «فوتوشوب» تزعم أنه مات محروقا، ونسب هذا للمذيع القطرى فيصل القاسم، وبعض المواقع أعادت إنتاج الشائعة، دون أن يبرروا كيف أن رجلا مات فى سوريا ينقل لأمريكا.. سيرد: «شغل مخابرات».
التحليل الثانى أن أنصار الرجل قالوا إن الإخوان اغتالوه بالاتفاق مع الأمريكان، لأنه كان يعلم الكثير، وهى قصة تعتمد على طريق آخر. ساعد فى إشعال الخيال، أن رحيل سليمان تزامن مع عملية اغتيال قيادات الجيش والاستخبارات فى سوريا، وتغييرات استخباراتية فى تركيا والسعودية. وأغلب من حللوا رحيل سليمان لم يتعاملوا مع معلومات معروفة أنه كان بالفعل مريضا، وأن أمراض القلب، والتمثيل الغذائى، يمكن أن تقود لتدهور سريع فى الصحة، وتؤدى للوفاة، وفضلوا تفسيرات تريحهم وتمنحهم أهمية وهمية، حتى لو كانت بلا دليل، وبعضها «مفبرك».
نحن هنا لا ننفى أو نثبت، لكنا نستعرض حالة من ادعاء المعرفة، على طريقة ويكيليكس التى يقدسها هواة الشائعات، مع أن أغلب ما تنشره إعادة إفراز لمواد سبق نشرها، وعبيد كل ما هو مترجم. ويستند المحللون من خصوم سليمان ونقاده، أو مؤيديه، إلى تقارير مزعومة ومعلومات ناقصة، تبالغ فى إظهار قوته وخطره، وتقييم الرجل وأدائه وعصره، بشكل قد يكون مسليا، لكنه يقود إلى تحليلات خاطئة، أو انتقام يمارسه من كانوا فى السابق من أصدقاء وحلفاء هذا المسؤول أو ذاك، وهو مرض يجعل الوهم بديلا للحقيقة.. وللحديث بقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبده
عارف ليه؟
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدة
قطع شطرنج
عدد الردود 0
بواسطة:
مصراوي
تحليل خاطئ
عدد الردود 0
بواسطة:
العرب جرب
الله يرحمك يا جنرال ويلعن عبيد المرشد
عشن بطلا ومت اسدا