خالد أبو بكر

عمر سليمان

الإثنين، 23 يوليو 2012 08:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عام 2002 كنت فى إحدى المحلات الفرنسية الشهيرة ورأيت ما يقرب من سبعة أشخاص، وجوههم مصرية يحيطون بشخص يمشى بشكل هادئ وينظر من حوله إلى كل الاتجاهات، وعندما اقتربت منهم تأكدت أنهم مجموعة من ضباط الحراسة الذين يحيطون باللواء عمر سليمان، وأن الرجل أراد أن يتجول فى شوارع باريس، ولكن لابد وأن يصطحب معه حرسه الشخصى، اقتربت أكثر منهم فإذا بأحد الحراس ينظر إلىّ بشكل يقول لا تتقدم أكثر من ذلك، بعدما تأكد أننى عربى وأننى تعرفت على شخصية عمر سليمان.

وطبعا لأننا كنا فى فرنسا وأنا أعلم أن كل الحراسة دى لا تستطيع أن تفعل أى شىء معى وألا علمتهم فرنسا كيفية احترام القانون، ناديت بصوت عالٍ وقلت يا عمر بيه!! وفى اللحظة دى كل واحد من اللى حواليه خد زاوية ودخلت أنا فى وسطهم مخترقا هذا الجدار البشرى وسط ضيق واضح من الحرس وكأنهم يقولون لى منك لله عطلتنا.

وإذا بعمر سليمان يلتفت لى وفوجئت أنه انحنى وهو يسلم علىّ ويرحب بى بتواضع شديد، وتبادل معى الحديث عن دراستى فى فرنسا لمدة دقائق وحيانى بابتسامة ثم انصرف.
بعد ذلك كان عمر سليمان بالنسبة لى - باعتبارى مواطن عادى، لا أنتمى إلى أى فريق سياسى - الشخص المتوقع أن يكون نائبا لرئيس الجمهورية، وكنت أتمنى ذلك فى عصر مبارك، وسمعت وقرأت عن سليمان، ووجدت أنه من أفضل رجال المخابرات فى الشرق الأوسط وأن أجهزة المخابرات العالمية تعرفه تماماً.

وظل عمر سليمان يحظى باحترام كبير من أبناء الشعب المصرى، الذى كان بعضه يتخيل أن سليمان قد يأتى يوما ويصبح بديلا لمبارك، وهو الأمر الذى كان يتقبله الكثيرون مقارنة بشبح التوريث الذى كان سائدا فى الخمس سنوات الأخيرة لعصر مبارك.

وقد لا يكون الأمر كذلك بالنسبة لبعض التيارات الدينية التى كانت فى حرب مفتوحة مع نظام مبارك لسنوات طويلة قبل الثورة، إلى أن قامت الثورة، وقلت فى بعض الأوقات، إن عمر سليمان أصبح نائبا والوزارة أقيلت، ومبارك ونجله لن يصبحا فى الرئاسة، كويس، يبقى نحن جنينا ثمار ما فعله هؤلاء الشباب الذين قاموا بالثورة، وكفاية كده وخلونا نشوف شغلنا وكنت حقيقى خائف على بلدنا جداً، خاصة أن الجلوس طوال الليل أمام بيتى حفاظا على الأمن كان يشعرنى بالحزن على ما وصلنا إليه.

وقد يكون مبارك أراد أن يقحم سليمان فى اللحظات الأخيرة فى السياسة وكأنه أراد إما أن يعيشا سويا أو يموتا سويا من الناحية السياسية، إلى أن جاءت موقعة الجمل، يومها بالليل تغيرت كل الأفكار فى رأسى وأصبح لدى مشهد لن أنساه فى حياتى، ولن ينساه تاريخنا المعاصر، فلأول مرة تنقل التليفزيونات العالمية أن شبه حرب أهلية دارت بين المصريين، وأنهم استخدموا الجمال فى ضرب بعضهم البعض، كنت أشعر بالخذى، وأنا أشاهد التليفزيونات العالمية وهى تنال منا تعليقا على مشهد الجمال.

فى تلك اللحظة لم أتمن البقاء لأى من هم مع مبارك وبالطبع لم أتمن بقاء مبارك نفسه، شعرت أنه هو سبب هذا كله وأنه لابد أن يموت الكثيرون كى يبقى هو فى سلام، والسبب ببساطة أننى بدأت أشعر بالغدر الذى يمكن أن يحدث فى أى وقت، زاد على ذلك أن كلا منا كان جالسا أمام بيته طوال الليل ليسمع خطابات مبارك الأخيرة الباهتة، والتى خصمت من رصيد خطابه الذى سبق موقعة الجمل.

وأوكل مبارك لسليمان مهمة التفاوض مع الإخوان، الذين خرجوا بعد اجتماع مع سليمان يشيدون به فى وسائل الإعلام، إلا أن أحد قيادات الإخوان قال فى اتصال هاتفى بالمرشد: «الراجل ده شكله يخوف ده شبه محمود المليجى» وهى مكالمة تم تسجيلها من قبل الأجهزة الأمنية فى هذا التوقيت، والإخوان هنا أحسوا بأن التعامل مع عمر سليمان لن يكون سهلا، وبالتالى رفضوا التفاوض، بعدها تعرض سليمان لمحاولة اغتيال تم نفيها فى بداية الأمر، إلا أنه أكدها أمامى فى المحكمة، أسفرت عن مقتل أحد حراسه المقربين جداً منه، وحتى هذه اللحظة لم يفتح تحقيق فى محاولة اغتيال نائب رئيس الجمهورية السابق.

وأخيراً ظهر عمر سليمان مرة أخرى ليعلن تنحى مبارك عن السلطة لتنتهى هذه العصور الظالمة بلا رجعة بإذن الله، ثم غاب عمر سليمان عن المشهد السياسى مع توارد أخبار عن أنه يمارس عمله فى جهاز المخابرات، وهو أمر منطقى، حيث أن ملفات هذا الجهاز الكبير لابد وأن تسلم من قيادة إلى أخرى وهذا بالتأكيد يحتاج إلى وقت.

وحتى ذلك التوقيت كان عمر سليمان بالنسبة لى شخصا لا أملك عليه شيئا يدينه بل على العكس، كنت أعول كثيرا عليه فى إدانة مبارك أمام القضاء، حيث أنه وللتاريخ الثابت أن أقوال عمر سليمان فى قضية مبارك، خاصة فيما يتعلق بإسناد تصدير الغاز لشركة حسين سالم، كانت سببا فى إحالة مبارك فى هذه التهمة للمحاكمة، فعمر سليمان هو الذى قال فى النيابة إن مبارك طلب من حسين سالم تأسيس شركة، وأن إسناد تصدير الغاز لتلك الشركة كان فكرة واقتراح مبارك.

ودخلنا المحكمة بنفس أقوال عمر سليمان وكنت أجلس على مسافة قريبة جداً منه وقتما جاء إلى محاكمة مبارك لكى يدلى بشهادته، وهى الشهادة التى استمرت لأكثر من ثلاث ساعات رأيت فيها رجلا ذكيا يعرف متى يتكلم وكيف يتكلم، ولكن عندما سئل عن موضوع الغاز لم تكن إجاباته بنفس الوضوح الذى كان فى تحقيقات النيابة، وتستطيع أن تقول إنه عدل عنها أو أنه غيرها لكن هذا جائز فى القانون، وإن كان غير جائز من رجل دولة بحجم عمر سليمان، ويومها ثورنا جميعا وثارت النيابة العامة من خلفنا على شهادة عمر سليمان الذى فقد كثيراً من رصيده لدىّ بعد تلك الشهادة.

وبدأت فى كتابة عدة مقالات أهاجم فيها عمر سليمان وكانت تربطنى علاقة طيبة بأسرة زوج ابنته التى تنتمى إلى العائلة الأباظية، ووجدت يوما اتصالا من زوج ابنة عمر سليمان، يقول لى وبأدب شديد إنه لا يصدق هجومى الشديد على سليمان وإنه يراه على المستوى الإنسانى شخصا بسيطا ومتواضعا، وهنا طلب منى أن أرسل له ما لدى من اتهامات لعمر سليمان حتى يواجهه هو شخصيا بها ويعرف رأيه.

وبالفعل أرسلت له أقوال سليمان ثم عاد إلىّ بعد أيام وقال لى إن سليمان لديه رد وهو أن الفارق الزمنى بين تحقيقات النيابة وشهادة المحكمة كان عدة أشهر، الأمر الذى جعل صيغة الشهادة مختلفة وذكرنى عمر سليمان فى رسالته مع زوج ابنته أنه هو الذى أخبرنا بأن مبارك كان له دور فى قضية الغاز، وأنه عندما واجهت النيابة عمر سليمان بأقوال مبارك، فى التحقيقات لم يهتم بها وأصر على أقواله.

للأمانة احترمت الرجل الذى لم يكن مرغما على الرد على خاصة أننى كنت لا أبالى فى نقدى له فى جميع وسائل الإعلام.

وحدث بعدها فى مناسبة زفاف أحد أصدقائى أن أخذنى الدكتور مصطفى الفقى من يدى، وقال لى لازم تسلم على عمر سليمان اللى انت بتهاجمه، ذهبنا سويا إلى الرجل فقام واقفا فى تواضع وسلم علىّ بأدب شديد، وحدثته أن نقدى له سيظل قائما إلى أن يأتى يوما ونعرف كل الحقائق، فقال لى نعم سيأتى يوما تعرف فيه كل الحقائق.

بعدها ترددت شائعات عن ترشح سليمان للرئاسة قام هو بنفيها، ثم عاود ورشح نفسه واستبعدته اللجنة الرئاسية لعدم اكتمال التوكيلات وهو الأمر الغامض حتى تلك اللحظة.
وكان سليمان فى تلك الأوقات قد بدأت حالته الصحية تتدهور وكان يشعر بالألم من حين إلى آخر، الأمر الذى دعاه للذهاب إلى ألمانيا لإجراء فحوصات ثم إلى أمريكا إلى أن وافته المنية فى مستشفى كليفلاند.

يمكن لو سألنا عمر سليمان قبل وفاته إذا ما كان يريد الدخول فى السياسية أو أنه أرغم على خوض معارك لصالح نظام مبارك، لكانت إجابته أنه كان يتمنى أن يبقى بعيدا وفقا لما قاله لى كثير من المقربين منه.

إننى أنتظر مذكرات عمر سليمان التى أعتقد أنه سيكون فيها الكثير من الحقائق الغائبة، وسأكون من أتباع دينى الإسلامى السمح الوسطى وأترحم على موتانا وأطلب لهم العفو والمغفرة وأذكر الجميع أن حساب العباد عند رب العباد.
اللهم ارحمنا من حساب العباد واغفر لنا وقت حسابك يا رب العباد.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة