لا شك أن غالبية المصريين يحملون مشاعر سلبية بلا حدود لكل أركان النظام السابق، وكل من تورط أو اشتبه فى تورطه فى عمليات الفساد، والنهب المنظم لثروات الوطن خلال العقود الماضية.
انتظرنا محاكمات عادلة لكل هؤلاء، وتمت محاكمات لم تكن مرضية للكثير منا، ومازلنا على أمل أن تستكمل العدالة مسارها، وتعرف طريقها لتحقيق القصاص العادل، وتطبيق القانون على الجميع.
يظل هذا الأمل قانونيا وسياسيا وإنسانيا، ولكن لا يمكن أن يكون هذا سببا فى انطلاق دعوات للتكفير على ألسنة البعض تجاه شخص، قد قبض الله روحه وسيتولى حسابه، إعلان بعضهم أنه لا تجوز الصلاة على رئيس جهاز المخابرات الأسبق عمر سليمان واستشهادهم بقوله تعالى «ولا تصل على أحد منهم مات أبدا»، هو ممارسة للتكفير وصدمة للمجتمع الذى تجاوز هذه الثقافة بعد انحسار ظاهرة الجماعات التكفيرية والإرهاب.
نختلف بلا شك مع مواقف الرجل، ونراه الساعد القوى للرئيس المخلوع خلال سنوات حكمه، وهناك أحاديث متواترة عن دوره فى التنسيق مع أجهزة مخابرات عالمية للتعذيب بالوكالة فى مصر، لانتزاع الاعترافات من بعض المتهمين فى قضايا إرهاب دولى، وهناك ما هو أكثر من ذلك، ولكن رغم كل شىء، لا يوجد أى مبرر لتكفير الرجل والاستشهاد بآيات قرآنية لا علاقة لها بالواقع الآن.
إن الاختلاف السياسى لا يبرر التكفير، وكذلك وجود قضايا فيها ثأر بالدم وتستوجب القصاص لا يحل التكفير، خطورة استحلال التكفير، أنه يتبعه جرائم مختلفة عانينا منها خلال السبعينيات والثمانينيات وبداية التسعينيات.
إن الحكم بالكفر على الشخص هو جرم كبير، فلا يجوز الإقدام عليه إلا ببرهان واضح ودليل قاطع، كما يجب عليه الاحتياط فى ذلك، وكمال التثبت فيه، وضرورة التريث فيه إلى أبعد مدى، كما فى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً» - «النساء:94».
قال الإمام الغزالى: «ينبغى الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ فى ترك ألف كافر فى الحياة، أهون من الخطأ فى سفك دم مسلمٍ واحد».
لا أتخيل أن تخرج دعوات التكفير من أشخاص يشاركون الآن فى الحياة السياسية، ومن المفترض أننا جميعا نؤسس لمناخ سياسى صحى، نعم نريد القصاص وإعادة الحقوق وملاحقة كل من تورط فى قتل المصريين وتعذيبهم، ولكن ذلك لا يبرر تكفير البعض والدعوة إلى عدم الصلاة عليه.
فليصل من يصلى وليمتنع من يمتنع، لا شماتة فى الموت ومن قبض الله روحه فهو كفيل بحسابه ومجازاته بما يستحق، إننا ندق ناقوس الخطر، لأن هذا المسلك إذا تم التغاضى عنه ومروره مرور الكرام، قد يفتح الباب لكثير من الغلاة الذين سيعيدون المجتمع للوراء، وسيتألهون على الله ويحكمون على هذا بالكفر وهذا بالإيمان، ولن يقتصر الأمر على رموز النظام السابق، بل سينال أيضا المختلفين سياسيا وفكريا.
ولنطو صفحة الماضى، ونتحرر من أسره، ولنعِد ترتيب أولويات الوطن لنخرج من حالة الجدل وتضييع الوقت بما لا يضيع الحقوق، وبما لا يحبسنا فى إطار الماضى وجراحه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
شريف رخا
كلام العقل
عدد الردود 0
بواسطة:
قرأت الاية القرأنية اليوم وتوقفت عندها
قرأت الاية القرأنية اليوم وتوقفت عندها
عدد الردود 0
بواسطة:
اسامة فتحى شهاب الدين
كلامك فى الصميم
عدد الردود 0
بواسطة:
كمال الجزائر
بارك الله فيك يا دكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى
كلمة العقل و الصدق
عدد الردود 0
بواسطة:
ali
ايام الخلع المستمرة
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل
يا سلام لو كل واحد ينشغل بعيوبه