لن ترا فى برنامج فضائى، ولن تسمع رأيه فى الثورة والمعارك والسياسة كخبير استراتيجى، ولن تجلس أمامه لساعات طويلة، وحلقات ممتدة باعتباره صاحب تجربة وشاهدا على الثورة، مسموح لك أن تراه إذا ما اشتريت منه «كيلو تفاح»، فإذا وقفت أمامه ذات يوم، فاعلم أنك تقف أمام أحد صناع الثورة، وأحد المشاركين فيها منذ يومها الأول.
ما كان لمحمد بيومى بائع الفاكهة الفيلسوف أن تراه الآن أو تقرأ عنه، فمثله لا يراهم مجتمعنا إلا عند استشهادهم أو حملهم على الأعناق مصابين دامين مكلومين، وحدها المصادفة قادتنى إلى التعرف إلى محمد بيومى، كان يتكلم متحمسا عن الثورة وأحداثها على أحدى المقاهى، ظننت فى بادئ الأمر أنه أحد المدعين الذين ينسبون إلى أنفسهم أفضالا على الثورة، لكن نبرة صوته التى تغيرت أثناء حكى أحد المواقف، ونظرة عينيه التى بدت كما لو كانت ترى المشهد الذى يحكى هناك، حيث يوجد ميدان التحرير مضرجا بالدماء، ومندى بالدموع، ومحتقنا بالنشوة، أخبرتنى بما لا يتيح للشك وجودا أن هذا الرجل صادق.
ملامحه «الشقيانة» ويده الخشنة وملابسه البسيطة تدل عليه، هو أحد الكادحين المطحونين الذين كانوا قبل الثورة «مهمشين»، ثم أصبحوا أسياد السياسة ومعمرى صناديق الانتخابات، كانت حكايته طريفة ومؤلمة وموحية وملآنة بالتفاصيل التى تجبرك على تصديقها والتفاعل معها، اعتبرت حكايته صورة حية للميدان وناس الميدان وروح الميدان، وفور انتهائه من حكيها، ودت لو كان محمد بيومى بائع الفاكهة هو المتحدث الرسمى باسم الثورة، فمن أجل هذه الروح خلق هذا المسمى.
«كان اليوم جمعة، وهو تقريبا الجمعة التى سبقت جمعة التنحى، وحينما أردت الذهاب إلى المسجد لأصلى، تآمر علىّ أبنائى لكى لاأذهب وأخفوا عنى حذائى وملابسى الشتوية ليمنعونى من النزول إلى ميدان التحرير، قلت لهم إنى سأصلى فى جامع قريب وسأعود، لكنهم لم يصدقونى، كانوا خائفين من أن يصيبنى مكروه فى الميدان من كثرة متابعتهم للتليفزيون، واضطررت أن أنزل على رغبتهم، وأن أذهب إلى الجامع بـ «شبشب بلاستيكى» وقميص صيفى خفيف، وبالفعل وجدت أنى تأخرت عن صلاة الجمعة فى الميدان، فصليت فى جامع قريب، لكنى وجدت نفسى أنهى صلاتى وأخرج بسرعة متجها إلى الميدان، لألحق البقية الباقية من اليوم، يحكى بيومى فتضىء عينه، ويستريح قبله، يقول وقد شعر بلسعة برد يناير فى جسده: كان اليوم حافلا، وامتلأ الميدان على آخره، وفى الليل كان البرد قارصا، وأنا كما تعرف لم أكن مستعدا له، وحينما غلبنى النوم تجمدت أطرافى، وليس فى قدمى حذاء ولا على جسدى ما يستره، أحضرت لفافات ورقية وجدتها فى الميدان ولففتها حول قدمى لعلها تدفئها قليلا لأنام، ولما لم يفلح الأمر ربطت على قدمى أكياس نايلون لكى تمنع اختراق الهواء البارد لقدمى، طوال الليل أستجلب الدفء وأسترضيه، ولوهلة غفت عينى، ثم سمعت آذان الفجر يصدح فى جامع عمر مكرم، ولما استقمت من غفوتى وجدت شابا صغيرا ينام بجوارى، كان منكمشاً ووحيداً، يستدفئ بأنفاسه فحسب، نسيت ما عانيته من برودة الجو والنوم فى العراء ونظرت إلى المسجد ودعوت: يا رب بحق هذا الشاب الذى ترك بيته وجاء لينصر بلده، انصرنا يا رب، ولا تشمت فينا مبارك ومن معه.
محمد «فرحان» لأن الله نصرنا، وتضاعفت فرحته حينما خسر أحمد شفيق، وفاز مرسى بالرئاسة، رغم أنه لم يمنحه صوته فى الجولة الأولى، وكان يتمنى أن يفوز حمدين صباحى، وكلما تحدثت معه عن مرسى وأخطائه، يقول لى أدينا صابرين لحد ما نشوف آخره.. أدينا صابرين يا محمد.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
صبرتم 60 عاما على العسكر .. مش قادرين تصبروا 20 يوم على رئيس الثورة ..
الصبر مفتاح الفرج يامؤمن ..
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
ده الصبر مر مرار.....الصبر أمر من المرار
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
الرئيس لم يمر عليه شهر. ومش قادر تصبر!!!!. بلد بقالها سنين بتتجرف وانت عايز الرئيس يحل مشا
عدد الردود 0
بواسطة:
قدري زكي
عم صابر لسه صابر
وياخوفي ياصبركم يطلع على فشوش !!
عدد الردود 0
بواسطة:
beco
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء عبد الدايم
الصبر ميزة الشعب المصرى