بعد أيام قليلة من تولى الرئيس مرسى الحكم فى 30 يونية الفائت بدأ يواجه المشكلات الحادة التى يعانى منها الناس وقد حددها فى خمس مشكلات: التخلص من القمامة، والقضاء على طوابير رغيف العيش، وسيولة المرور فى الشوارع... إلخ. وكان يشير إلى هذا فى خطاباته العامة قبل أن يتولى مهامه رسميا، ثم طلب من الجماهير إعطاءه مهلة «مائة يوم» لإنجاز هذه المهام. ورغم أهمية هذه المشكلات التى يواجهها الناس يوميا إلا أنها تعد مظهرا أو عرضا لعلة رئيسية يجب الوقوف عندها لمواجهتها دفعة واحدة، وهذه العلة تبدو فى إعادة دور الدولة فى الشؤون الاقتصادية والاجتماعية الذى غفلت عنه دولة السادات - مبارك حتى تراكمت فكان الانفجار، ومن ثم فإن مواجهة المشكلات يحتاج إلى قرارات وليس إلى دعوة الناس للبر بوطنهم.
ومن باب المقارنة واستدعاء التاريخ فقد كانت مصر عشية ثورة يوليو 1952 تواجه مشكلات الثلاثى الشهير «الفقر والجهل والمرض» حتى إن حكومات العصر الملكى كانت لديها مشروع لمقاومة الحفاء، وما فعله الضباط فى الحكم فور استيلائهم على السلطة إصدار القرارات اللازمة لمواجهة علة المشكلات وأسبابها، ففى خلال المائة يوم الأولى من الثورة حتى نهاية أكتوبر تقرر زيادة الرسوم الجمركية على بعض الواردات الكمالية وزيادة الضريبة على الدخل لتغطية العجز فى الميزان التجارى «6 أغسطس»، وزيادة الضريبة على الإيرادات العامة بالنسبة للشرائح العليا «12 أغسطس»، والإصلاح الزراعى «9 سبتمبر»، وإلغاء الوقف على غير الخيرات «الوقف الأهلى» وصار المستحقون فى الأوقاف ملاكا لما كان موقوفا عليهم «14 سبتمبر»، وتخفيض إيجارات المساكن بنسبة %15 على المبانى التى أنشئت من أول يناير 1944، وإنشاء مجلس دائم لتنمية الإنتاج القومى «2 أكتوبر»، والعفو الشامل عن الجرائم السياسية التى وقعت من 26 أغسطس 1936 «عقد معاهدة 1936» ولم تزل قضاياهم منظورة وقد بلغ عددهم 934 ناشطا سياسيا «16 أكتوبر».
ومن باب إشعار المواطنين بأنهم متساوون تقرر إلغاء رتب البكوية والباشوية والألقاب المدنية من نوع: صاحب السعادة، وصاحب المعالى، كما تقرر العفو الشامل عن جرائم العيب فى الذات الملكية أو الملكة أو ولى العهد «2 أغسطس» فأصبح الناس وراء الثورة وأخذ حجم الثورة المضادة فى الانكماش تدريجيا. وفى هذا الخصوص لم يطلب ثوار يوليو مهلة لإنجاز المشكلات بل لقد تصرفوا بما يحقق الأهداف التى قاموا من أجلها.
ولحكم المائة اليوم شبيه فى التاريخ الحديث فبعد أن أصبح نابليون بونابرت إمبراطورا لفرنسا وضم أراضى هولندا وبلجيكا وإيطاليا وسويسرا وأخذ يهدد سائر ملوك أوروبا تكاتفوا عليه وتم غزو فرنسا فى مطلع عام 1814 وهرب بونابرت إلى جزيرة آلبا على الشواطئ الإيطالية ثم استجمع قوته ودخل باريس فى 20 مارس 1815 فرحب به ضباطه وجنوده وهرب الملك من باريس وظل بونابرت فى الحكم مائة يوم حارب خلالها أعداء فرنسا والعناصر الملكية، وبادر بتكوين هيئة تشريعية من مجلسين وتكون الحكومة مسؤولة أمامها، كما أصدر قرارا بحرية الصحافة، لكنه هزم مرة أخرى أمام إنجلترا «18 يونية 1815» وتم نفيه إلى جزيرة سانت هيلانة فى المحيط الأطلنطى بين أفريقيا والبرازيل «15 يوليو وظل بها إلى أن مات فى 1821». وتعرف هذه الفترة فى كتب التاريخ بحكم المائة يوم.. هكذا جاءت التسمية.
ولأن الرئيس فى مصر طلب مهلة مائة يوم لمواجهة خمس مشكلات فقد أخذ المصريون يعدون عليه الأيام وكلهم أمل فى حلها حتى لا يظهر أمامهم بمظهر غير الوفى بالعهد وتلك من الكبائر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة