منذ سنوات وهناك عشرات القنوات الدينية، ومئات البرامح إن لم يكن الآلاف، لا تستطيع أن تجمع بينها إلا تحت عنوان فضفاض هو الدفاع عن الدين. طرق الدفاع تختلف من قناة إلى أخرى، ومن شخص أو داعية الى آخر. هناك فى البعض رفق، وهناك فى الأكثرية قسوة، وهناك من يرتدى الجلباب ويطلق لحيته إلى صدره، وهناك من يرتدى البدلة وبلا ذقن، والجميع يرون أن الدين الإسلامى مستهدف من العلم ومن الأدب ومن الفن ومن الأديان الأخرى ومن بعض المذاهب الإسلامية مثل التشيع. كل هؤلاء يأتون لك من التاريخ بالشخصيات الصالحة باعتبارها المعبّر عن الإسلام بينما هناك شخصيات فظيعة كثيرة فى الحضارة الإسلامية كانت تحكم باعتبارها ظل الله على الأرض. لا يقفون عند أخطاء هؤلاء الحكام بل إذا جاءت سيرتهم تأتى سياسيا باعتبارهم حكاما عظاما قاموا بنشر الحضارة الإسلامية. وفى الحضارة الإسلامية لا يقول لك أحد إن أبرز صناع هذه الحضارة كانوا من البلاد غير العربية. وطبعا لم يكن ذلك عيبا فى البلاد العربية، لكن هذه البلاد الأخرى أسبق فى الحضارة. مصر وفارس والعراق والأندلس والمغرب على سبيل المثال. كون هذه البلاد خضعت للنفوذ الإسلامى لا يعنى أنها كانت متخلفة، لكن يعنى أنها سياسيا وعسكريا كانت فى حالة ضعف، لكن أشكال الحياة الأخرى كانت زاخرة بالعلماء فى كل المجالات، وعندما انضووا تحت الدين الجديد أبدعوا أكثر لأنهم صاروا فى ظل حكم قوى. تتابع هذه القنوات كما قلت فتندهش وتسأل نفسك إلى هذا الحد يتعرض الإسلام للخطر. وتنظر حولك فلا تجد أى خطر يمكن أن تمسكه فى يدك. وتسأل نفسك أسئلة من نوع، لماذا لم يحدث فى المائتى سنة التى مضت منذ بداية عصر محمد على وحتى الآن أن خرج المسلمون من الإسلام وصاروا نصارى أو يهودا مثلا. ولماذا لم يتحول أهل السنة فى مصر إلى شيعة ولماذا لم يصبح البهائيون بالملايين؟ هذا السؤال وحده يكفيك أن تعرف أن الحديث عن الأخطار التى تحيق بالإسلام من أى دين هو سلعة تجارية لا أكثر عند الكثير من المتحدثين. أقول منذ عصر محمد على لأنه كان من أول أعماله إصدار مرسوم بحرية العبادات والأديان. فجاء الأوربيون من المسيحيين وجاء اليهود المضطهدون وجاء البهائيون إلى مصر وعاش الجميع يعملون مع المسلمين فى الزراعة والصناعة والتجارة وانتقلت مصر إلى العصر الحديث بقوة، وأخذت من أوروبا الكثير لتصبح مدنها الكبيرة قطعة من أوروبا، ولم يسجل لنا التاريخ أن المسلمين تركوا دينهم أو أن السنة من المصريين تشيعوا. لماذا لم يحدث ذلك حقا؟ لأنه فى هذا العصر وحتى سبعينيات القرن الماضى كان المصريون يتعاملون مع الدين كما خلقه الله. علاقة بين العبد والرب. وكان اهتمامهم بالحياة هو الاهتمام الأكبر أما الآخرة فهى لا تحتاج إلى حديث لأن الذى يعمل العمل الصالح فى الدنيا سيكون له أعظم نصيب فى الآخرة. والعمل الصالح هو لإعمار الأرض بالزراعة والصناعة والتجارة والعلم. أما الشعائر الدينية فالإنسان منذ طفولته يراها فى بيت أسرته وعلى تقاليد الأسرة ينشأ ولم تكن المساجد أبدا خالية من المصلين. كانت الدروس الدينية فى هذا الزمن بسيطة فى الراديو ثم التليفزيون تحض على الخير والمحبة والتعاون، ويقدمها مشايخ وعلماء مبتسمون هادئون لهم إنجازهم المعروف كتبا أو تدريسا فى الأزهر الشريف وكان الوقت المتاح لها قليلا لكن العمق كبير. منذ سبعينيات القرن الماضى وسياسة الرئيس السادات لفتح الباب لهذا النمط الجديد من الدعوة بغرض القضاء على الدعوات السياسية المضادة لسياسته وليس لدينه. منذ هذا الوقت وصارت دروس الدين كثيرة وتزداد بشكل مثير وعلا صوت الدعاة وظهرت قدرات الكثير التمثيلية فدخلوا فى مناطق لا يعرفونها مثل العلوم التى يريدون بالقوة أن يخضعوها للدين رغم أنها تتعلق بالعقل بينما الدين سره القلب والإيمان. وتقدموا فى مراقبة حركات البشر وتحركاتهم حتى إنى سمعت كثيرا جدا جدا من الإجابات فى التليفزيون والقنوات على أسئلة ما كان لها أن تسأل أصلا مثل الذى يسأل هل صلاته نافعة وهو مريض بمرض يجعل الريح تخرج منه دون إرادة حتى وهو يصلى فماذا يفعل والشيخ يجيبه ما عليك من حرج مادمت مريضا ولكن يفضل أن تقضى صلاتك فى البيت حتى تشفى من هذا المرض. هل هذا سؤال أصلا وهل يحتاج إلى إجابة. أو مثل التى أرسلت تسأل هل النوم جوار الحائط حلال أم حرام لأن الحائط لفظ مذكر. وغير ذلك من البلاهة التى لا أعرف كيف تنفتح لها الشاشات. وطبعا كلنا نعرف أن معظم الأسئلة يكون متفقا عليه سلفا أو على الأقل هناك عائد مادى للقناة من المكالمات التليفونية التى تفوز بها شركات الاتصالات. المدهش أننا لم نعرف أن أحدا خرج من الإسلام إلا فى هذا العصر نفسه الذى امتلأ بالبرامج الدينية العجيبة، والحمد لله أنها حالة أو حالتان أراد أصحابها الخروج من البلاد. أى أن وراءها حاجة اقتصادية وليس اقتناعا دينينا. أيها الناس الدفاع الوحيد عن الدين هو عدم الكلام فيه وترك هذه العلاقة كما خلقها الله بين العبد والرب واجعلوا البرامج عن العمل الصالح وليس عن الأكل والشرب والملبس والمظهر والنوم والجماع والحيض وغير ذلك مما يملأ الفضاء بالضجيج. يرحمكم الله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة