كأننا نشاهد فيلم فيديو للمرة العاشرة.. نفس الطريقة، ونفس الوجوه، نفس التساؤلات: هل نحتاج حكومة سياسية أم حكومة تكنوقراط؟، وهل يكون رئيس الوزراء سياسيا أم فنيا؟.
بينما الناس يريدون حكومة- أيا كان اسمها- تعيد الأمن، وترفع القمامة، وتحل أزمات المرور والأسعار والعلاج، وتطبق القانون بحسم، لا يهم اسمها إن كانت تكنوقراطية أو تعمل بالغاز، المهم أن تكون حكومة، ولهذا فبالرغم من أن اختيار الرئيس مرسى لرئيس الوزراء هشام قنديل، رافقه تعتيم، ونقص فى المعلومات، فمازال الناس يراهنون، ويطلبون منحه فرصة. لكن المشكلة فى تعدد الجهات التى تتحدث باسم الرئيس وجماعته وحزبه. الرئاسة أعلنت عن تعيين متحدث رسمى، ومع ذلك استمر المتحدثون غير الرسميين من حزب الجماعة، وجماعة الحزب فى إطلاق تصريحات عن مواصفات الوزراء، ونسبة كل حزب، وحصة كل مجموعة، وكأنهم يقسمون لحم عجل تشاركوا فيه، وليس سلطة تحتاج إلى الأكفأ والأكثر خبرة.
كلها أمور مقدور عليها، ويمكن تفهمها فى سياقات السلطة الجديدة، وتجارب العمل السياسى، لكن ما يثير هذا الضجيج هم جماعات المشتاقين والمستبعدين الناقمين.. المشتاقون، فهم يرشحون أنفسهم وينفون، والمشتاقون موجودون فى كل عصر، وكانوا أيام مبارك كثيرين ومعروفين بالاسم، لكنهم هذه الأيام متنوعون، وأغلبهم من خريجى مدارس التوك شو والبرلمان شو، وبعضهم على استعداد لعمل نوم الوزير أو عجين النائب حتى يحصل على موقع بجوار أو حول الرئاسة أو الحكومة أو الوزارة أو الإدارة.
والاشتياق للمناصب الحكومية أو للسلطة ليس عيبا، مادام الشخص على كفاءة، وخبرة، لكن العيب أن يكون المشتاق بلا خبرة ولا كفاءة ولا مؤهل، أو يكون مفضوحا فى دفاعه عن الباطل، أو متمسحا بشكل زائد فى كل من يجلس على الكرسى، ويفعل ذلك مقابل ثمن.
لو كان هناك مثلا من يدافع عن الرئيس مرسى أو جماعة الإخوان لوجه الله، ومصلحة الوطن، فهو مشكور، لكننا نرى عددا ممن هم ليسوا من الجماعة وبعضهم من خصومها، فجأة وبقدرة قادر، أصبحوا من خدامها ومؤيديها بالحق والباطل، وتحولوا إلى مداهنين ومتزلقين ومزفلطين بطريقة تتنافى مع اتجاهاتهم أو انتماءاتهم. هؤلاء هم رجال كل العصور، فى الإعلام والقضاء والسياسة، يبررون كل فعل، ويدافعون عن كل قرار، حتى لو كان خاطئا.
ومنذ جلس الرئيس مرسى على الكرسى، وهؤلاء يدافعون باستماتة تتناقض مع معتقداتهم السابقة أو الحالية أو حتى العقل والمنطق. محامون وقضاة ونواب ولاعبو «ثلاث ورقات» يتبنون مواقف الجماعة، ولما يتم استبعادهم من الصورة، يهاجمون الجماعة والرئيس وسوء اختياره، مع أنهم كانوا يهزون ذيولهم انتظارا لما يلقيه إليهم الرئيس أو رئيس الوزراء، هؤلاء هم المشكلة، وهم سبب كل جدل، وكل خلاف، وكل تسريب. وهم القادرون على الاستمرار وعبور كل الأنظمة.