لا يخفى على أحد أسباب الاهتمام الأمريكى البالغ بمصر وسعى واشنطن للالتفاف حول النظام الجديد الحاكم فيها، من أجل ضمان أمن إسرائيل واستمرار النفوذ الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، الذى تشكل فيه مصر أهمية كبيرة تفوق غيرها من باقى دول المنطقة، ومن البديهى أن تكون للدول الكبرى مصالح استراتيجية فى الدول والمناطق الحيوية من العالم، ولا أحد يعارض فى ذلك، لكن عندما يأتى تحقيق هذه المصالح على حساب الشعوب، وهذا ما دأبت عليه السياسة الأمريكية فى مصر وغيرها، فإن الأمر يحتاج إلى مراجعة ووقفة جادة، خاصة وأن الدور الأمريكى فى دعم الأنظمة المستبدة الفاسدة التى قامت فى مواجهتها ثورات الشعوب لا يخفى على أحد، فى حين لم تر هذه الشعوب من أمريكا ما يدعوها للترحيب بها.
أعتقد أنه قد آن الأوان لتدفع واشنطن ثمن إهمالها لشعوبنا، وربما يكون الاستقبال الذى استقبل به المصريون وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون مؤشرا على بداية الحساب، هذا الاستقبال الذى يعكس بالفعل وعيا سياسيا، لا يغيب رغم المشاكل الكثيرة، لدى الشعب المصرى العظيم الذى يعرف جيدا عدوه من صديقه، ولا ينفع معه الخداع الأمريكى وادعاءات واشنطن بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان التى تخفى وراءها أهدافا ومصالح خاصة لا تعير قضايا الشعوب أى اهتمام.
لقد قذف المصريون الوزيرة العجوز بالأحذية والطماطم الفاسدة، وطالبوها بالرجوع لبلادها لمراقبة زوجها الخائن، وكان رد فعل كلينتون غريبا للغاية، فقد أبدت هدوء باردا مصحوبا بتعليق، لا أعتقد أنه يخلو من تلميحات تعكس فى الواقع نظرة واشنطن لشعوبنا، وأيضا للشعوب الأخرى، فقد قالت كلينتون إنها ليست غاضبة من رد فعل المصريين لكنها "آسفة على الطعام الذى ألقوه على الأرض"، وكأن حال لسان كلينتون يقول "أيها الجوعى لا تلقوا الطعام الذى أنتم بأمس الحاجة إليه"، إنها النظرة الأمريكية الحقيقية لشعوبنا، نظرة الأسياد للعبيد الجوعى الذين لا يستحقون الحياة، وتحضرنى هنا مقولة جندى أمريكى أثناء التحقيق معه فى جريمة قتل عراقيين، حيث قال "إنهم يحبون الموت فلماذا لا نهبهم ما يحبونه؟"، وهذا بالفعل ما تقدمه أمريكا الدولة الأغنى والأقوى فى العالم والتى لا ترى منها الشعوب سوى الحروب والدمار والقتل، وأذكر هنا تصريحا للرئيس الأفغانى الراحل برهان الدين ربانى الذى قاتل بشراسة ضد السوفييت فى أفغانستان، ثم سمعناه يقول للصحفيين الأجانب عام 2009 "لقد طردنا السوفييت من بلادنا وجاء الأمريكان فدمروا كل ما بناه الروس عندنا من مدارس ومستشفيات وجسور وغيرها"، هذا هو بالفعل ما فعله الأمريكان فى دول كثيرة، ومنها مصر، ولكن بشكل آخر، فقد طرد أنور السادات السوفييت الذين بنوا السد العالى والمدن الصناعية الكبيرة، وجاء بالأمريكان الذين لم يقيموا حجرا واحدا ولم يبنوا شيئا يذكر فى مصر، وذهبوا يدعمون الأنظمة الحاكمة المستبدة بالأموال والسلاح والسياسات الهدامة التى دمرت الصناعات الوطنية والزراعة، ودعمت فئة من المنتفعين الطفيليين الذين كانوا يستحوذون على المعونة الأمريكية لأنفسهم ويحرمون الشعب المصرى حتى من إنجازاته السابقة.
الوزيرة الأمريكية تعلم جيدا أن الشعب المصرى يحتاج للغذاء والدواء والكساء والتعليم والمصانع والتعمير والتنمية، وتعلم جيدا أن هذه الأشياء جميعها ممنوعة فى السياسة الخارجية الأمريكية التى لا تعرف سوى شراء الأنظمة الحاكمة، وهل من المعقول أن تساعد أمريكا فى تنمية ونهوض دولة كبيرة مثل مصر بجوار حليفتها المدللة إسرائيل، وهل من المعقول أن تذهب المعونة الأمريكية السنوية لمصر، والتى يذهب معظمها كمعونة عسكرية، لبناء جيش قوى بجوار إسرائيل؟.
شعوب العالم الثالث فى قاموس السياسة الأمريكية ما هى إلا أهداف للمؤامرات والحروب وقذائف السلاح الأمريكي، ويكفى واشنطن إنفاق بضعة ملايين من الدولارات لشراء الأنظمة الحاكمة، بدلا من إنفاق المليارات على بناء وتنمية دول العالم الثالث.
استقبال المصريين الحار للوزيرة الأمريكية رسالة واضحة لواشنطن بأن الشعب المصرى الذى أسقط النظام الذى كانت تحركه وتدعمه أمريكا لم يعد ينطلى عليه الخداع الأمريكى وشعارات الديمقراطية الكاذبة، كما أنه رسالة تحذير واضحة للنظام الجديد الحاكم فى مصر حتى لا يقع فى نفس الفخ الذى وقع فيه النظام السابق ودفع ثمنه غاليا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د الهام
اللة ينور عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
ضياء مصطفى
الوعي المطلوب
عدد الردود 0
بواسطة:
إيمان
الشأن الدولي
عدد الردود 0
بواسطة:
egyptian
كلام عنتري
عدد الردود 0
بواسطة:
شهاب الدين
بجد مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس ماهر مصطفي سليمان
البحث العلمي في بلادي يحتاج الي حماية -من يلزم الوزير لتنفيذ قرار الجهاز المركزي للمحاسبات