انتعشت بعد الثورة صناعة الشائعات، كنتيجة طبيعية لنقص المعلومات والبطء والغموض والتنافس الإعلامى. كان المأمول أن مناخ الحريات والحراك السياسى سيدعم من حرية الحصول على المعلومات ويضع نهاية لما كنا نعانيه فى عصر المخلوع من حجب وتشويه الحقائق وتلاعب بالمعلومات بهدف تضليل الرأى العام. ما حدث شكل مفارقة غريبة، فالمجلس العسكرى كان غامضا وبطيئا فى كل شىء، وكذلك البرلمان المنتخب، أما الرئيس مرسى وفريقه الرئاسى المؤقت، فقد توسع فى ممارسة البطء والغموض وبدا وكأنهم مازالوا على رأس جماعة الإخوان المطاردة، يميلون إلى الصمت ويهربون من الإعلام، وعندما يتحدثون فإن كلامهم قليل ومراوغ وغير محدد، ويأتى غالبا متأخرا عن الأحداث وتفاعلات الرأى العام. وخذ مثلا المتحدث الإعلامى للرئاسة الذى تفرض عليه واجبات وظيفته الظهور يوميا أمام الإعلام والرأى العام لتقديم إفادات يومية عما يجرى- أو لا يجرى- من أحداث وقد يظهر عدة مرات فى اليوم الواحد، ليرد عن أى شائعة أو خبر غير صحيح، لذلك فإن المتحدث الرسمى فى الرئاسة الأمريكية أو الفرنسية ليس شخصا بل فريق من المتحدثين المدربين حتى يستطيعوا متابعة الأحداث على مدار الساعة.
أما فى حالة الرئاسة المصرية ومن قبلها المجلس العسكرى والبرلمان فقد كان هناك عدد محدود للغاية من المتحدثين غير المدربين، ارتبط أداؤهم إما بالتقاليد العسكرية أو تقاليد التنظيم السرى شبه المعلن لجماعة الإخوان، وهى إجمالا تقاليد محافظة وتخاف من الإعلان والشفافية وتميل الهابط من أعلى لأسفل، من القيادة إلى القواعد التى عليها واجب السمع والطاعة. هكذا تشكلت جمهورية الصمت بعد الثورة، وتأسست صناعة الشائعات، وتدهور مستوى التحليل السياسى، والغريب أن العسكر والرئاسة الجديدة يتهمان الإعلام بتشويه الحقائق وإثارة الرأى العام وإطلاق الشائعات، وخدمة الفلول، ولاشك أن بعض هذه الاتهامات صحيحة، لكنها ليست كل الحقيقة، فالتعميم غير دقيق لأن كثيرا من الأصوات الإعلامية يلتزم بالدقة والتوازن فى عرض وجهات النظر، كما أن هناك دورا نقديا وتحريضيا لوسائل الإعلام لابد من الإقرار به واحترامه طالما أنه يتم من أجل الإصلاح والتغيير.
فى المقابل هناك أصوات إعلامية لا تحترم القواعد المهنية أو الأخلاقية وتختلق الأخبار وتطلق شائعات وتنشر ببجاحة روايات مفبركة عن أحاديث خاصة جرت بين مبارك وأسرته، أو بين أعضاء المجلس العسكرى أو بين مرسى والمرشد!! إلى غير ذلك من الروايات الأسطورية التى ظهر بعضها فى كتب تباع فى الأسواق ومن دون رد أو رقيب!! والمدهش أن أكثر الإعلاميين ممارسة لهذا الكذب والضلال هم الأقرب للمجلس العسكرى والفلول، ربما لشعورهم بأنهم فى حماية من بيده السلطة والمال وأغلب الفضائيات، وهنا يمكن افتراض وجود مخطط للثورة المضادة يعمل هؤلاء الإعلاميون على تنفيذه.
كتيبة الفلول فى الإعلام تنشط أيضا بسبب بطء أداء الرئاسة وغياب المعلومات وتضاربها أحيانا، وإذا كنا نريد بالفعل حصار الإعلاميين الكاذبين والقضاء على الشائعات واحتواء آثارها، فلابد من ممارسة أكبر قدر ممكن من الإفصاح والشفافية عما يدور من أحداث، وإتاحة المعلومات لكل وسائل الإعلام بدون تمييز وفى وقت سريع، سرعة أداء الإعلام الرئاسى والحكومى مطلوبة، وأعتقد أن البداية هى التخلص من تراث العمل الإعلامى لجماعة الإخوان ولحملة مرسى، وهو تراث تربى عليه الرئيس مرسى والفريق المساعد له، وعليهم جميعا الاستعانة بإعلاميين من خارج الجماعة ومن خلفيات وطنية ومهنية رفيعة، فأهل الثقة ليسوا دائما هم الحل.