د. بليغ حمدى

شَكَاوَى المُعَلِّمِ الفَصِيْحِ

الخميس، 05 يوليو 2012 11:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتابتنى حالة من القلق الشديد والمصاحب للدهشة والاستغراب، وأنا أستمع لبعض الأصدقاء المقربين، والذين يعملون بمهنة التعليم والتدريس بمراحل التعليم المختلفة... ودونما اتفاق مسبق بينهم وجدتهم يتفقون على ضرورة نقل بعض من همومهم المحمومة والمكتومة فى صدورهم تجاه وزارتهم.

ولعل ما أثار حفيظتهم تجاه تلك الهموم ما أبديته من ملاحظة عابرة نحو وجوههم الشاحبة وضعف بنية بعضهم، ومنهم من كان ينام ونحن نتجاذب أطراف الحديث... ووجدتهم على قلب رجل واحد يقولون إنهم يذهبون أعمال المراقبة والنظام والامتحانات فى محافظات بعيدة غير محافظتهم الأصلية، وأن بعضاً منهم يقوم بالمبيت خارج ديارهم الرطبة والدافئة رغم حرارة جو القاهرة وبقية محافظات المحروسة من أجل عيون تصحيح أوراق إجابات الطلاب التى تبدو إما فارغة من الإجابة اللهم كتابة أسئلة الاختبار فقط لصعوبتها ومحاولة تعجيز الطلاب أنفسهم، أو أن كراسات الإجابة ملونة بالمداد الأزرق نتيجة جهود الغش المعلن وغير المعلن داخل اللجان.

وهذا السلوك هو سلوك قديم، أى أن ذهاب المعلم للمراقبة خارج محافظته أمر ليس بجديد وربما هذا الأمر ورثناه -اللهم جنبنا التوريث ـ عن طريق أجدادنا الفراعنة ومن تبعهم من خلفاء بنى أمية وبنى العباس مروراً بالحكم الأيوبى والإخشيدى والطولونى والمملوكى من فقد الثقة والأمانة والنزاهة تجاه الآخرين، وأصبحنا نحن بدورنا نمارس هذا الفعل دونما وعى أو إرادة واعية.

وحقيقى أننى لا أفطن لماذا يذهب المعلم فى امتحانات الشهادة الثانوية للمراقبة والملاحظة بعيداً عن محافظته، وما يصاحب هذا من خلل أسرى وتوتر فى حياة المراقب نفسه مما ينعكس على أدائه داخل لجان المراقبة.. وما بالكم بالنساء اللاتى يذهبن بعيداً عن ابتسامة أولادهن وحنان أزواجهن للمراقبة والسفر، مما ينعكس ذلك على ممارسة أدوار الأمومة تجاه هؤلاء الأبناء المساكين، وكأن وزارة التربية والتعليم والتى يحكمها قيادات عجيبة التفكير لا ترى فى المعلمين والمعلمات سوى أنهم مجموعة من المرتزقة المأجورين الذين يقاتلون فى بلاد بعيدة مقابل حفنة قليلة من المال لا تكفى أجرة السفر وكوباً من الشاى المغلى.

والأعجب أن المعلمين يشكون من تهديد أبناء القرى والمراكز والمدن التى يراقبون فيها، وطبعاً يأتى التهديد من بعض أولياء الأمور من أجل مساعدة أبنائهم فى تيسير الإجابة عن الأسئلة المبهمة. أما البعض الآخر فهم بمنأى عن التهديد والوعيد لأن منهم ببساطة إما ممتنعا عن الغش من الأساس ولا يهمه أو يعنيه أى تهديد أو وعيد، أو لأن منهم من يقبل ويرغب الهدايا والعطايا والمنح والهبات.

ولا أعرف سبباً واحداً تجبر الوزارة على سفر المعلم خارج بلده للمراقبة، فهل هو رجل غير مؤتمن، أى غير أمين ونزيه، أو أن الوزير والسادة المسئولين يجدون متعة فى تعب وإرهاق المعلمين والمعلمات وتعرضهم لبعض ألوان الإهانة . ولو كلف السيد الوزير نفسه اهتماماً ومراقبة لعمله السابق كمعلم لفترة طويلة من الوقت لأدرك على الفور أنه كان يراقب ويلاحظ طلابه منذ كان معلماً ومع ذلك كان بالضرورة أميناً وأهل ثقة فيما قام به من أعمال، فلماذا إذن يفترض عدم الثقة بدعوى الحيادية والنزاهة فيأمر بسفر مدرس نعلم جميعاً ظروفه الاقتصادية للمراقبة بعيداً؟ .

رغم أن الأمر سيعيد ثقة المعلم فى نفسه حينما يذهب إلى أعمال المراقبة فى مدينته ولكن فى مدرسة أخرى، وما دام الوزير أى وزير يؤكد كل لحظة ودقيقة وساعة أنه يراقب ويتابع بنفسه أعمال الامتحانات وأنه لا ولن يتهاون مع أى شخص يتجاوز حدود اللياقة والقواعد والتعليمات الموضوعة من قبل الوزارة الحيوية، فعليه إذا أراد ما نشير إليه أن يوفر كل وسائل المراقبة والضبط وضمان الحيادية.

لقد دخل الوزير اختباراً حقيقياً وهو امتحانات الثانوية العامة وكنت أظن أنه رجل يقبل التحدى كما فطنت عنه من خلال أحاديثه وحواراته التليفزيونية والصحافية والإليكترونية أيضاً، وظننت للحظة أنه رجل التغيير الحقيقى وصاحب رؤية ثورية تهدف إلى إصلاح نظام التعليم فى مصر بعيداً عن الشعارات الوهمية كالتقويم الشامل والتعلم النشط وملف الإنجاز والمدرسة المتطورة والجميلة والامتياز والجودة والاعتماد، لكنه اعتمد ما كان سابقوه يفعله ويؤمن به.

وعليه أن يتدرب المعلمون والمعلمات على السفر لمسافات بعيدة فى ظروف مناخية شاقة، وأن يذهبوا لصالات الجيم والرياضة لممارسة ألعاب الدفاع عن النفس، بالإضافة إلى ترك الأبناء عند الجيران لحين العودة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة