جلساتى مع صديقى السلفى وأصدقاء الطفولة الذين بقوا على حالهم داخل جماعة الإخوان، أصبحت جلسات محفوفة بالمخاطر، تسللت إليها السياسية وخلافاتها رغم كل القواعد الصارمة التى كانت تبتغيها جلسات إنسانية عن الذكريات، والحال الاجتماعى دون سياسة ولا تقاذف بوجهات النظر، لا لشىء سوى أن الأجواء تزداد سخونة، وتفسد تسلسل بطولة «البلاى ستيشن» التى لا تكتمل أبدا إذا حضر حديث السياسة، ومشتقاته من خلافات فكرية.
صديقى السلفى خرج بنا عن النص للتغطية على هزيمته الساحقة بالأربعة، وفتح ملف الهوجة السائدة الآن «الإعلام المضلل والمزور»، وركب الموجة السلفية والإخوانية التى تنشر كلاما واتهامات حول الإعلام المصرى المضلل الذى يزوّر الحقائق، ويزيف الوقائع، ويشارك فى صياغة المؤامرات من أجل تعطيل وتعجيز الرئيس الجديد، بالإضافة إلى كلام كثير حول الحقد الدفين الكامن فى بطون الإعلاميين تجاه الإسلاميين، وخطط وسائل الإعلام لتشويه الإسلاميين، وإفساد وجودهم فى السلطة أمام الناس.
طبعا الكلام لم يخلُ من ملكية وسائل الإعلام التى أصبحت فجأة كلها فى يد رجال أعمال فاسدين يعملون لدى مبارك، ولدى أجهزة المخابرات وأمن الدولة، بالإضافة إلى كلام كثير حول المهنية وأصولها وقواعدها، وكأن السادة الزملاء تحولوا فجأة إلى خبراء استراتيجيين.
لم تصدمنى الاتهامات الموجهة لصدر الإعلام المصرى، لأننى على مدى الأيام الماضية تابعت باهتمام الحملة الإخوانية المنظمة والاستباقية ضد الإعلام المزوّر والمضلل.. وأقول «المنظمة» لأن كل مواقع الإخوان، وصفحات الجماعة، وشبابها على الفيس بوك شاركوا فيها بصور وبوسترات ونكت وفيديوهات ساخرة، تصل إلى حد الإسفاف، والتعدى على حرمات البيوت أحيانا، وبجانب هذه الحملة «الفيسبوكية»، شارك كل أهل الصحافة والإعلام المنتمين للإخوان والسلفيين بالكتابة أو بأحاديث تليفزيونة فى الحديث عن الإعلام المضلل، والملكيات الفاسدة للفضائيات والصحف، دون أن يخبرنا أحدهم لماذا لم يسرع ويقدم استقالته، ويكف عن الحصول على أموال تلك المؤسسات المشبوهة؟. وإثبات كونها حملة منظمة بات واضحا فى تزامن كل ذلك مع تصريحات القيادات الإخوانية والسلفية التى تقول بضرورة تطهير الإعلام.
صديقى السلفى توقع منى رد فعل دفاعيا، فنزل الصمت ثقيلا عليه حينما أخبرته أن الإعلام بالفعل فاسد ومزوّر ومضلل، ثم تراجع أكثر وأكثر مع ذكر كلمة، ولكن وما تلاه من كلام هو الآتى..
- أليس فى توجيه اتهامات عمومية لوسائل الإعلام وأفراد الجماعة الإعلامية نوع من السذاجة، وإثبات بأن الإخوان والسلفيين يقولون ما لا يعملون، على اعتبار أن كل القيادات الإخوانية والسلفية كانت دائما تطلب من الإعلام ألا يتعامل مع أخطاء أفرادها وعناصرها بنوع من التعميم؟
- أليس فى اتهامات الإخوان لرجال الأعمال المالكين للصحف وبعض رؤساء التحرير بأنهم يعملون لدى النظام القديم كثير من التجنى والظلم لبعض أو أغلب هذه الصحف، وهؤلاء الملاك الذين فتحوا صفحاتهم ووسائل إعلامهم للدفاع عن الإخوان وقت الاعتقالات والسجون، ألم يكن إبراهيم عيسى الذى يسخر منه الإخوان الآن هو الرجل الأعلى صوتا فى الدفاع عن الجماعة، وحقها السياسى فى سنوات 2005 وما بعدها، فى حين كان أبرز نشاطات الجماعة ومواقعها تنظيم مظاهرات تضامنا مع فلسطين، والحديث عن حقها الضائع؟
- هل الإخوة فى جماعة الإخوان أو فى التيارات السلفية فى حاجة إلى مراجعة قواعد علوم الاجتماع التى تقول بأن الإعلام ابن بيئته، وطبيعى جدا أن يعانى من أخطاء وبلاوى سودة، مثلما تعانى كل الأحزاب والقوى السياسية والدينية من كوارث وأخطاء؟
- ألا يدرك السادة فى الجماعة أو الأحزاب السلفية أن هذا المجتمع الذى يؤمن بعدم حرية تداول المعلومات، ونواب وقيادات الإخوان والسلفيين الذين يمتنعون عن منح الصحفيين المعلومات الكاملة ويتكبر أغلبهم على الظهور التليفزيونى، ويتمنع بعضهم عن الإدلاء بالتصريحات، أو ممارسة حق الرد على الصحف، جزء من هذه المشكلة سواء بتكبرهم على الإعلام، أو بجهلم بكيفية التعامل معه؟
- هل يقبل الإخوان أو السلفيون أن نحاسبهم، ونطالب بتطهيرهم ونصفهم بالتضليل والتزييف بسبب تصريحات صبحى صالح، أو عماد الدين محمد الذى قال إن الإخوان أسياد مصر، أو بسبب أكاذيب البلكيمى مثلما يصفون هم الإعلام بالمضلل بسبب أخطاء وتصريحات فردية لصحفى هنا، أو مذيع هناك؟
- ألا يدرك الإخوان أن أخطاء بعض الصحف قد تتشابه مع أخطاء الجماعة؟، ألا يدرك الإخوان أن الجماعة الصحفية والإعلامية بها بعض ضعاف النفوس مثلما يوجد داخل الإخوان والسلفيين؟، فإذا كان الإخوان يمكنهم أن يعتبروا الإعلام كاذبا ومضللا بسبب كذبة لوائل الإبراشى، أو سقطة للميس الحديدى، أو سوء صياغة من محرر صغير، فأنا مثلا يمكننى أن أعتبر الإخوان كاذبين ومضللين لأن الجماعة تراجعت عن وعدها بخصوص عدم ترشيح رئيس، ويمكننى أن أعتبرها جماعة مضللة لأنها تراجعت عن فكرة المشاركة لا المغالبة؟
- إذا كان الإخوان يرون فى ملاك الصحف ووسائل الإعلام أشرارا وأصحاب مصالح، فأنا- وبالمثل- يمكننى أن أقول إن الجماعة فضلت مصالحها على مصالح مصر فى أزمة التمويل الأجنبى، ويمكننى مثلا أن أعتبر قيام الرئيس بتكريم عبدالمعز إبراهيم الذى كان يتهمه حزب الحرية والعدالة الذى كان يرأسه نفس الرئيس من شهور بتهريب الأمريكان نوعا من أنواع النفاق، ويمكننى أن أعتبر شكر الرئيس مرسى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والمشير نوعا أكبر من النفاق والمصالح، وبالمثل أيضا يمكننى أن أقارن بين تسرع بعض الصحفيين فى نشر الأخبار قبل التحقق منها بشكل قوى– وهو خطأ كارثى بالطبع– وبين مافعله القيادى الإخوانى حسن البرنس، حينما اتهم سائق غلبان بمحاولة اغتياله، قبل أن تثبت التحقيقات أن الحادث كان حادث سير عاديا.. وساعتها سأكتشف أن كل التوصيفات التى يطلقها الإخوان على الصحفيين تنطبق على البرنس، ومن هم مثله كالبلكيمى، وعلى ونيس وغيرهم مما ستجود الأيام والممارسات القادمة به.