عبد القادر أحمد طه

رسالة مفتوحة للجنة تأسيس الدستور

الأربعاء، 01 أغسطس 2012 12:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن الدستور ليس قواعد مجردة وثابتة، ولكنه مؤسس على تراكم الخبرات وتجارب الشعوب. وقد مر بنا كثير من الأحداث فى الفترة الماضية تجعلنى أقترح ما يلى:
1. وصلت العلاقة بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) إلى مرحلة التصادم. بل وصل التصادم إلى أن يكون بين إحدى هذه السلطات وجهة أو فئة، مثل الخلاف الذى حدث بين السلطة القضائية ونقابة المحامين. مما أصبح يستلزم سلطة تفصل بينهم، وإلا أصبحت الدولة مفككة ولا رابط لها. فلذا فمع إصرارنا على الفصل بين السلطات الثلاث. فإنه يلزم أن يكون هناك حكم بينهم. ومع طلب البعض الآن من رفض اختصاص رئيس الجمهورية كحكم بين السلطات كما كان فى الدستور السابق. فإننى أرى ما يلى:
أ‌- إن أعلى سلطتين من السلطات الثلاث هما مجلس الشعب ورئيس الجمهورية، وذلك لأنهما السلطتان اللتان تمثلان الإرادة الشعبية بانتخابات مباشرة، والتى هى أعلى سلطة فى البلاد لأن السيادة للشعب.
ب‌- يمكن لأى منهما أن يكون الحكم بين السلطات، وإن كنت أرى أن الأفضل فى هذه الحالة هو مجلس الشعب، لوجود حوالى 500 عضوا به، مما يقلل احتمالية التجاوز أو الشطط. وعلى أن يكون التصويت فى هذه الحالة بموافقة ثلثى أعضاء المجلس.
ت‌- وفى حالة وجود أى من هذين الطرفين فى خصومة مع سلطة أو جهة أخرى يكون الطرف الآخر فى هذه الحالة هو الحكم بينهما.
2. يمكن لمجلس الشعب ورئيس الجمهورية أن يحل أحدهما الآخر بعد الرجوع إلى استفتاء شعبى. ويمكن إضافة أنه يتم إقالة الطرف الخاسر فى هذا الاستفتاء، وتكون موافقة مجلس الشعب على محاسبة رئيس الجمهورية والدعوة للاستفتاء بموافقة ثلثى الأعضاء.
3. يمكن لأى منهما وقف تنفيذ بعض الأحكام القضائية بصفتهما ممثلين للشعب مصدر السلطات. وفى حالة الأحكام الدستورية يمكن الرجوع باستفتاء إلى الشعب، بصفته المقر الوحيد للدستور. وذلك استنادا على أن هناك فرقا بين القضاء كسلطة كاشفة للوضع القانونى أو الدستورى لبعض القوانين، والجهات التشريعية كسلطة منشئة لأوضاع قانونية جديدة أو مساءلة، وممثلة للإرادة الشعبية. ومثالا على ذلك قانون العزل السياسى.. فرغم عدم دستوريته فقد يكون للشعب رأى آخر، قام على أساسه بثورة لرفضه هؤلاء الأشخاص، وهو صاحب الحق الأصيل ومصدر السلطات. فهل يكون الحل بغل يد الشعب حتى تضطره للقصاص مباشرة مثلما تم فى ليبيا!! أم يكون الحل الأكثر تحضرا بسن قوانين تحاسب ولو بأثر رجعى على ما قام به هؤلاء فى حق هذا الشعب. وسيعتبر هذا تقنينا للوضع الثورى، ولكن بأسس أكثر تحضرا. ويجب الاشتراط للموافقة على هذه الخطوة موافقة ثلثى أعضاء مجلس الشعب. وذلك مع وضع الضوابط التى لا تخل بمساءلتهما هم أنفسهم أمام القضاء.
4. كما كان يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض على القوانين المصدرة من مجلس الشعب بالآلية المذكورة فى دستور 71، ولا اعتراض لى عليها. ولكن يجب إعطاء مجلس الشعب نفس الحق وذلك بإعطائه حق الاعتراض على القوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية. والتى كان يصدرها تطبيقا للمادة 112 من دستور 71. ويستلزم هذا الاعتراض موافقة ثلثى أعضاء المجلس. ولرئيس الجمهورية إجراء المناقشات وإعادة عرضه مرة أخرى.
5. عدم قابلية العزل: لا يجب أن يكون هناك أحد غير قابل للعزل ولا للمساءلة من القضاء إلى النائب العام إلى أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلى رؤساء الهيئات الرقابية إلى رئيس الدولة إلى أعضاء مجلس الشعب إلى ... خلافه.
أ‌- بالنسبة للقضاء: يمكن أن تكون المساءلة أمام مجلس القضاء الأعلى أو جهة قضائية رقابية مستقلة. وفى حالة تقديم شكوى ضد أحد القضاة تتولى جهة الفصل المذكورة النظر فى الشكوى، وتتولى هذه الجهة محاسبة المستشار فى حالة ثبوت خطـأه. فى حالة رفض الشكوى يحق للشاكى التقدم إلى مجلس الشعب بشكواه. وعند احتمالية صحتها، يتولى مجلس الشعب (اللجنة التشريعية) عقد جلسات استماع للشاكى والمشتكى ضده، وبحضور ممثل لجهة الفصل القضائية الموضحة عاليه. ويقوم مجلس الشعب بموافقة ثلثيه بإصدار توجيهاته الملزمة وإصدار العقوبة، أو لفت النظر للجهات المخطئة، والتى قد تكون هى جهة الفصل القضائية ذاتها. وفى حالة عدم موافقة جهة الفصل القضائية على هذه العقوبة أو التوجيهات يتم الفصل بينهما بواسطة رئيس الجمهورية. وفى حالة موافقته على رأى مجلس الشعب يتم عزل جهة الفصل بالكامل.
ب‌- بالنسبة للجهات الرقابية: من المفترض أن تكون هذه الهيئات، جهات معاونة لمجلس الشعب فى تنفيذ رقابته على الحكومة. فلذا يجب أن تكون تقاريرها وتعييناتها ومساءلتها وعزلها من خلال مجلس الشعب. ويكون ذلك بموافقة الثلثين. وفى حالة اعتراض أية جهة من هذه الجهات على المساءلة أو شكواها من عدم أخذ مجلس الشعب تقاريرها بالأهمية الواجبة فعليها الرجوع إلى رئيس الجمهورية للفصل بينهما.
ت‌- بالنسبة لرئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب: فإن الإجراءات المذكورة بدستور 71 بالإضافة إلى النقطتين (2، 7) بهذا المقال يمكن أن تكون كافية.
6. بالنسبة للحذر على أعضاء مجلس الشعب أو الشورى فى التعامل مع الدولة بالبيع أو الشراء.. وخلافه. فهذا ينتقص من حقه كمواطن، فكما إننا لا نطالب له بحق زائد فلا يمكن انتقاصه حقه الطبيعى كمواطن. فله مثلا أن يتقدم لشراء قطعة أرض لنفسه أو لأحد أبنائه أو خلافه بما لا يجاوز القانون.
7. أن تكون عقوبة استغلال السلطة أو المنصب لتحقيق مكاسب مادية أو شخصية عقوبة مضاعفة. وسيساعد ذلك على أن تكون عضوية مجلس الشعب أو الشورى مغرما وليس مغنما، فيقلل التقاتل عليها.
8. إن نسبة الـ 50% للعمال والفلاحين (فى مجلس الشعب والشورى والمحليات) أصبحت الآن مانعا لصعود الكفاءات وحجرا على الإرادة الشعبية فى حرية الاختيار. وأصبح التفوق العلمى جرما يحرم صاحبه من الفرص المتساوية مع الأقل تعليما. فالطبيب أو المهندس لا يقل معاناة عن العامل أو الفلاح، فالكل فى الهم سواء. كما أنهما هم أنفسهم أبناء العمال الفلاحين، وليسوا هم طبقة الإقطاع التى استولت على السلطة سابقا.
9. هيئة قضايا الدولة يجب أن تعامل كجهة قانونية وليست جهة قضائية. فهى تمثل الحكومة فى الخصومة مع المواطن العادى. فيجب أن تتساوى المراكز القانونية فى جهتى المحاماة بين الحكومة والمواطن.
10. ليس هناك حرية مطلقة. وخاصة لحرية الرأى والتعبير والإبداع، فالحرية المطلقة تعنى الفوضى. ومن منا يرضى بأن تكون مصر فى الوضع الذى كانت فيه الدانمارك مع الرسوم المسيئة، بسبب أن حرية الرأى والتعبير ليس لها حدود عندها ومقدمه حتى على حرية الاعتقاد واحترام اعتقادات الغير. فهذه الحرية المطلقة ستؤثر بالتأكيد على السلام الاجتماعى، كما أنها ستحمى البذاءة والتجاوز فى حق الغير ومعتقداتهم. فمن حقنا جميعا قيادة السيارات بالطرق كحرية شخصية، ولكن أيحق لأى منا السير بعكس الطريق أو بدون رخصة للقيادة أو للسيارة؟! بل إن هذه الضوابط أكثر صرامة فى الدول الغربية التى تنادى بعدم وضع أى قيود على الحريات. وإنه بدون هذه الضوابط تتحول الحرية إلى فوضى. بل إنه حتى على مستوى حرية الملبس فى الغرب فى ارتداء الملابس الفاضحة من منطلق الحرية الشخصية، ولكنها ليست كذلك حرية مطلقة فالعرى الكامل فى الأماكن العامة مرفوض، وبشدة فى هذه الدول، بل وفى جميع دول العالم.
11. المحليات:
أ‌- عدم انتخاب المحافظين أو رؤساء الأحياء، وذلك لأن هذه المناصب هى مناصب تنفيذية وسطية، تستلزم الآتى:
1. الالتزام بتنفيذ خطة الدولة: لذا فإنه من حق رئيس الجمهورية اختيار من يملك القدرة والكفاءة لتحقيق هذه الخطة، وليس الشخص الأكثر شعبية بلا قدرات. وإلا فإنه يحق لرئيس الجمهورية الاعتذار بعدم تنفيذ برنامجه الانتخابى لعدم كفاءة القيادات المنتخبة المنفذه لها.
2. محاسبة المخطأ وإقالته: وهذا لا يمكن أن يتم حتى فى حالة عدم كفاءته أو تقصيره، وذلك لكونه منتخبا وليس معينا. فلا يحق إلا لمن انتخبه بمحاسبته عند الانتخابات التالية.
3. الانضباط وسيادة القانون: فإنه للأسف الشديد، ونتيجة لتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة لكثير من المواطنين. فسوف يضطر المحافظ أو رئيس الحى لتقديم تنازلات كثيرة لإرضاء من ينتخبه مثل ترك الباعة الجائلين والمقاهى لتحتل جميع الأرصفة بل وأجزاء من الطريق.. خلافه. حتى يكون لهؤلاء أعوان يوم الانتخابات بدلا من أن يكونوا له أعداء.
ب‌- إعطاء المجالس الشعبية المنتخبة السلطة الرقابية: إن وضع المجالس الشعبية المنتخبة تحت فصل "السلطة التنفيذية" فى دستور 71 منعها من الرقابة على الإدارة المحلية، لكونها اعتبرت كجزء من السلطة التنفيذية (حكم دستورى سابق). ولإعطائها السلطة الرقابية اقترح بنقلها لفصل مستحدث بالدستور يسمى "السلطة الرقابية" أو تحت فصل "السلطة التشريعية"، مع أفضلية تغيير مسماه، ليكون "السلطة التشريعية والرقابية". وبعد ذلك يمكن إعطاء هذه المجالس الشعبية الإمكانيات الآتية:
1. أن تكون اقتراحاتها شبه ملزمة للحى وللمحافظة، ولا تقف عند حدود الاقتراح أو التوجيه. وفى حالة صعوبة تنفيذها يكون برد مكتوب. ويحق للمجلس الشعبى بعد ذلك تصعيدها من خلال مجلس الشعب
2. إعطاءها الحق فى تقديم استجوابات لرئيس الحى وللمحافظ أو نوابه، وطلبات سحب الثقة منهم من خلال مجلس الشعب مما قد يعنى إقالتهم. وذلك بجانب طلبات الإحاطة المتاحة لها سابقا. وسيعمل هذا على زيادة الرقابة الشعبية.
3. توسيع حدود الرقابة للمجالس الشعبية، حتى تشمل جميع الخدمات، ومنها المستشفيات التعليمية والمدارس التجريبية و... خلافه.
4. إلغاء حق السلطة التنفيذية فى حل المجالس الشعبية المنتخبة.

ت‌- عدم التحول إلى اللامركزية فى الحكم المحلى: والتى تعنى تشكيل حكومات محلية بكل محافظة، ونقل كثير من صلاحيات وسلطات الحكومة المركزية إلى الحكومة المحلية، ومنها فرض رسوم وضرائب وإعداد الخطط والموازنات. وأن تحتفظ الحكومة المحلية بإيراداتها. مما سيعنى وجود محافظات غنية وأخرى فقيرة، وليس لجهد أى منهما، ولكن لأنه سيتصادف وجود مصادر للدخل بأحدهما أكثر من الأخرى. كمصانع وأراضٍ للتسويق واستكشافات بترولية و.... خلافه. وسينتج عن هذا ما يلى:
1. إخلال شديد بمبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين (لوجودهم فى محافظات مختلفة) بعضها غنية والأخرى فقيرة.
2. الإخلال بالخطة العامة للدولة وبرامج الرئاسة لوضع كل محافظة لأولياتها بشكل مستقل ومنفصل عن الدولة.
3. صراع بين المحافظات على الحدود للحصول على مصادر للدخل أو لطرد قرى ومدن للهروب من تحمل نفقاتها.
4. هجرة بين المحافظات للذهاب إلى المحافظات الأكثر غنى. مع احتمالية رفض المحافظات الغنية للوافدين لتأثيرها على نسبة البطالة بها.
5. تنافس بين المحافظات فى فرض الضرائب والرسوم بين الزيادة والنقصان لتشجيع الاستثمارات داخلها أو زيادة متحصلاتها. وما قد يكون له من تأثير على سياسة الاستثمارات العامة للدولة، والإخلال فى فرص الاستثمار بين المحافظات. بل قد يصل التنافس على المستثمرين بتقديم تنازلات يستفيد منها المستثمرون، وتضر بالوطن والصالح العام. كما أنها تمثل تعديا على سلطة مجلس الشعب فى تحديد الرسوم والضرائب، وثباتها على مستوى جميع المحافظات.
6. كما أنه فى هذه الحالة لن يكون مستغربا أن نجد مثلاً محافظات القناة تطالب بدخل قناة السويس، أو أن نجد محافظة أسوان تفرض رسوما على كهرباء السد العالى تتحملها المحافظات الأخرى، أو أن تستأثر محافظة الأقصر بدخلها من السياحة أو ... خلافه.
7. تفكير البعض فى الاستقلال عن الوطن بسبب وعود خارجية أو طمعا فيما تملكه هذه المحافظات من إمكانيات. وكلنا على علم بما يدور من خطط ومؤامرات لتقسيم الوطن.

وفى النهاية فإننى أرى أنه لا يجب على الإطلاق تنفيذ اللامركزية فى الحكم المحلى. وإنه يجب توريد جميع الإيرادات إلى الحكومة المركزية، والتى تلتزم بتحديد ميزانيات للحكم المحلى بكل محافظة يناسب احتياجاتها، وعدد سكانها، وخطط التنمية المفروضة لها. وإننا إن لم نفعل فلن نفقد العدالة الاجتماعية فقط، ولكننا سنفقد وطنا كان مترابطا فى السابق.
12. عدم السماح للوزراء أو لرئيس الوزراء بالترشح لعضوية مجلس الشعب أو الشورى لضمان فصل السلطات.
13. السماح للمصريين بالخارج فى المشاركة فى التصويت فى الانتخابات العامة فقط أى الاستفتاءات، ويمكن أن يضاف إليها انتخابات الرئاسة. ولا يتعدى هذا إلى انتخابات مجلسى الشعب والشورى والمحليات.
14. اشتراط أن يكون أقارب مرشحى رئاسة الجمهورية حتى الدرجة الثانية جنسيتهم الأصلية مصرية، ولا يحملون جنسية غيرها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة