حين وقعت الواقعة البشعة ومات جنودنا على الحدود بفعل الإرهابيين الكفرة، كنت فى مقهى ريش، كنا جميعا قد تناولنا إفطارنا وفينا من خرج من منزله مثلى ومن بقى فى منزله، كل راح يمارس حياته التى اعتاد عليها، هؤلاء الجنود أبناؤنا الشهداء وحدهم كان يتربص بهم قاتل أثيم لم يعطهم حتى فرصة الإفطار بعد يوم صيام طويل فى صيف حار، بل لعل ساعة الإفطار هى التى أغرته بعمله البشع، ففيها يذهب الكون كله إلى هدوء خص الله به المؤمنين، لكن هؤلاء الكفار قرروا إفساد هدوء الله، لم أستطع أن أعلق على الحدث فى البداية إلا بالصمت، قفزت دمعة إلى عينى فواريتها عن الجالسين، رحنا نتابع الأخبار المحزنة حتى عدت إلى منزلى بعد منتصف الليل، لم يكن ممكنا النوم تلك الليلة، ورغم أنى أسهر عادة فى رمضان حتى الفجر وبعده لكن السهر هذه المرة كان بسبب الحزن والألم، كيف يموت هذا العدد من الجنود بهذه السهولة رغم أن هناك تحذيرات سابقة من إسرائيل لم يهتم بها أحد؟ كان هذا هو السؤال على الفيس بوك وتويتر اللذين رحت أبعثر حزنى عليهما، كان الحزن شاملا للجميع والغضب، الغضب تعرفونه من المجلس العسكرى والمخابرات والدكتور مرسى وكل الأجهزة التى كان عليها أن تحتاط لمثل هذا الهجوم، المناقشات كانت تدين هذه الأجهزة كلها، وكثير منها يذكر فى أسف الفرق العسكرية التى هاجمت الثوار فى الميادين والشوارع وقدرتها الكبيرة على القتل والقتال، بينما كان الثوار دائما عزلاً، ويتساءلون لماذا لا تكون مثل هذه الفرق المدربة هى التى على الحدود لا جنود بسطاء فقراء لا حول لهم ولا قوة، كثيرون كانوا يتعجبون من قيادة عسكرية صار همها الأول السياسة والحكم فلا تهتم بأخبار خطيرة مثل توقع هجوم إرهابى فى سيناء رغم أن ذلك حدث من قبل فى العريش وحدث مرات لا تعد على أنابيب الغاز، كانت هناك دائما آراء تنسب الفعل لإسرائيل أو لحماس أو للمنظمات الإرهابية، وكان هناك خلاف ونقاش، لكن كل من أبدى شماتة فى الجنود كان نصيبه شتائم رهيبة، الجيش خط أحمر والخلاف مع قياداته لا يعنى الهجوم على جنوده وضباطه، الجيش خط أحمر حتى لو كانت قياداته قد استخدمت بعض جنوده أو ضباطه الصغار فى قتل الثوار أو ضربهم فهذا لا يعنى أنهم المسؤولون بل هى القيادات التى فعلت ذلك، الجيش جيشنا والجنود إخوتنا مهما اختلفت الثورة مع المجلس العسكرى فى عمله أو رهانه السياسى.
كنت أقرأ ذلك وأقول: هل يا ترى يقرأه المجلس العسكرى؟ هل يقرأه هؤلاء الذين اعتبروا كل انتقاد للمجلس العسكرى الذى أخفق فى لعبة السياسة انتقادا للجيش المصرى؟ وجوار ذلك، وهو الأهم، حالة حزن شديد للآلاف على الموقعين، دعوات بالصبر لأهل الشهداء، ودعوات بالقصاص للشهداء وبكائيات حقيقية، وأشعار كتبت ومراثٍ فى حب الوطن وأبناء الوطن المخلصين من جنوده الشرفاء، كان كل شىء حزينا أسود والدعوات بالحداد العام كانت تحلق فى كل التعليقات والتأخر فيه كان منتقدا بشدة ونال التليفزيون بكل قنواته الكثير من الهجوم بسبب استمرار برامجه وتمثيلياته. وانصبت الشتائم على طريقة النظام القديم التى لا يريد أن يتخلى عنها النظام الجديد باعتبار أن لا شىء مهم بينما أرواح شهدائنا تصعد إلى السماء. وهكذا حتى علم نبأ الحداد فى اليوم التالى كانت اللعنات قد أصابت الجميع، الرئيس، ورئيس الوزراء، والمجلس العسكرى، وكل قنوات التليفزيون التى لم تنج منها غير قناة الأون تى فى التى أعلنت الحداد بسرعة بعد الحدث، ما يهمنى فى ذلك كله هو هذا الشعب العظيم الذى نسى كل ما ناله من أذى من المجلس العسكرى فى العباسية وماسبيرو ومحمد محمود وراح يبكى على أبنائه الجنود والضباط ويطلب القصاص لهم من الجناة ومن المهملين فى تنبيههم أو تحذيرهم أو إصدار الأوامر بالانتباه وبخطوات محددة ليست صعبة أبدا للوقاية من الإرهاب. بالنسبة لى مازلت حزينا وربما حزنى أكثر من غيرى لأن ما جرى قد يؤشر على شىء خطير أرجو من الله ألاّ يكون موجودا. هذا الشىء الخطير هو حالة جيشنا وأجهزتنا المعنية. هل حقا كان صعبا أن نتفادى ما جرى بعد كل هذه المقدمات للإرهاب والأعمال الإرهابية التى جرت فى سيناء من قبل وبعد المعلومات عن عمليات إرهابية قادمة؟ وهل لو وقعت واقعة أخرى ستكون هناك ثقة فى حال قواتنا المسلحة؟ هل بعد أكثر من ثلاثين سنة من السلام مع العدو الرئيسى، إسرائيل، لا نستطيع أن نتعامل مع عدو ثانوى يمكن محاصرته والإنهاء عليه فى مواقعه مهما كانت سرية، فى لحظة تذكرت هزيمة 1967 حين انصرفت قيادات الجيش قبلها عن عملها إلى أشياء صارت فى ذمة التاريخ مثل النوادى الرياضية والفنانات ومطاردة المعارضين لسياسة عبدالناصر وغيرها مما صار معروفا بعد ذلك وانتهى بعد الهزيمة وحققنا فى أكتوبر نصرا عسكريا بدا للعدو محالا أن يتم. كل ذلك الذى أدى إلى الهزيمة لم تعد له قيادات الجيش لكنها دخلت فى أشياء أخرى مثل الاستثمارات وتولى المراكز القيادية فى الوزارات والهيئات العامة والمحافظات وغير ذلك، مما جعل الحكم فى مصر عسكريا بامتياز رغم كل ما كان يقال عن الديمقراطية، ومما أدى فى النهاية إلى الثورة العظيمة على النظام. أخذنى التفكير إلى الخوف على الوطن أن يكون جيشنا الآن ليس كما نسمع من قياداته وأن اختبارا آخر قد يكون أسوأ وأبشع. والكرة الآن فى ملعب المجلس العسكرى. هل يمكن أن يخلصنا من كل هذه الشكوك ويعود إلى عمله الوحيد، الدفاع عن الوطن أمام الأعداء ويبتعد عن السياسة نهائيا؟ وفى النهاية حالة الحزن العظيم التى أخذت بالمصريين جميعا يجب أن تقابل بما تستحقه وهو أن يرحل العسكريون عن كل المناصب المدنية ويعودوا إلى عملهم الطبيعى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية جدا
ليس حزنا فقط !!
عدد الردود 0
بواسطة:
صوت الجماهير
كيف يتركوالبلد
وكل مايحدث ليستفردوباللى فى الداخل