ليس من أصول المعارضة أبداً التطاول والسب والقذف وإلقاء التهم جزافاً، وليس من قواعد المعارضة المحترمة الترصد ولا التصيد من أجل الانتقام، المعارضة لها مبادئ لا تخرج عن حدود الأخلاق ولا تتجاوز الخطوط الحمراء، المعارضة أدب وليست سفالة ووقاحة، ليس المعارض سباباً ولا لعاناً، ليس المعارض مفترياً بالباطل ولا قاتل أجير، ليس المعارض من ينبش القبور ولا من يجرى وراء أسرار البيوت، ليس المعارض من يلقى الناس بالباطل، ويخوض فى الأعراض ويدوس على شرف الناس ويطفئ كل الأنوار ويفجر الشائعات ويحلل الدماء، المعارض من يقدم الحلول قبل الحديث عن الأخطاء، المعارض الحق من يمتلك البديل وليس اللسان السليط، المعارض من يقدم الخير ولا يجرى وراء الشر.
وفى الوقت نفسه فالجلوس على كرسى الحكم لا يعطى صكا بالتحكم فى مصائر الناس، ولا يمنح رخصة بتكميم الأفواه وقطع رقاب المعارضين وإرهاب صحاب الفكر والرأى، الحكم ليس مقصلة إعدام للمختلفين معه، الحكم ليس تفويضاً شعبياً بالتجاوز للقانون وفرض الطاعة بالقوة والضرب الشوم والعصا والزج بالناس فى السجون، الحكم ليس توكيلاً مطلقاً بإطلاق صراح المجرمين أو تقييد حرية المبدعين، الحاكم ليس انتقامياً ولا تسلطياً، الحاكم العادل لا يضيق بالنقد ولا يلتفت للتجاوزات، الحاكم الديمقراطى لا يفرض قراراته على الناس عنوة ولا يطلق السراح لنفسه دون قيود.
الحاكم الصالح لا يفكر فى أخذ حقه بذراعه أو عصا أنصاره، الحاكم الرشيد هو من استمع للمعارض قبل المؤيد وليس من هدده أو أرهبه، الحاكم الشعبى هو من تواضع من أجل شعبه وليس من تكبر عليه، الحاكم الذى يبحث عن حب الناس هو من يتراجع إرضاءً لعامة الناس وليس من يفرض سطوته عليهم بحق وبدون حق.
أمام كل هذا يمكن القول بصراحة أن أغلب ما يجرى فى مصر الآن لا هو معارضة ولا هو حكم رشيد وإنما هى حرب لا أخلاق لها ولا مبادئ، حرب تتجاوز كل الأصول ولا تراعى مشاعر ولا دين ولا قيم.
أغلب المعارضة تحولت إلى بلطجية سياسة، تعدوا كل الخطوط الحمراء ولم ينشغلوا بمصلحة الوطن بقدر ما انشغلوا بتشوية من يحكم.
وفى المقابل من يحكم تحول إلى ماكينة تجريف لا تبقى غير المؤيدين والمناصرين، تحول إلى أداة قمع لكل من يجرؤ على الكلام، يلوح بين ساعة وأخرى بأدوات الترهيب، يظهر العين الحمراء بميليشيات منظمة والرسالة واضحة، أن كل من تسول له نفسه مجرد الاعتراض أو الانتقاد سوف ينال عقابه، إن لم يكن بيد القانون الأعوج فبيد الميليشيات المطيعة، والشوم والعصا لمن عصا حتى ولو كان إعلامياً لا يقول إلا ما يرضى ضميره، حتى ولو كان صحفياً لا يكتب إلا ما يقتنع به، حتى ولو كان سياسياً يلتزم بحدود المعارضة وأصولها.
ولهذا أقول مطمئن البال أن ما يحدث فى مصر الآن لا هو معارضة ولا هو أسلوب حكم، ويبدو أننا نحتاج سنوات طويلة لتعلم أصول اللعبة الديمقراطية.