تعال نتفق أولا على أن كل القرارات التى اتخذها محمد مرسى بخصوص إحالة المشير وعنان للتقاعد حق كامل اقتنصه الرجل ولم يتجاوز به شرعاً ولا قانوناً ولم يتجن به على مؤسسة أو أشخاص، فمن رحلوا يستحقون ما هو أكثر من الترحيل، ومن جاءوا يستحقون أن ينال منهم الرئيس نوعاً جديداً من الولاء الخالص له فى دولة يبدو أنها ستسير لفترة ليست بالقصيرة فى طريق حكم الفرد أو التيار الواحد لأن أحداً لم ينو بعد أن يجلعها دولة مؤسسات.
ما فعله محمد مرسى نوع من أنواع تغيير الولاءات وتجديد مشروع لملامح أهل الثقة، ولكنه ليس كما يريد الإخوان الترويج له فعلا متمما للثورة، هى فقط قرارات تدفعك للاعتراف بالتالی:
- الآن أصبح مرسى رئيسا فعليا للبلاد.
- الآن يمكنك أن تفهم لماذا اختار المجلس العسكرى صبحى صالح عضوا فى لجنة التعديلات الدستورية فى 2011.
- الآن يمكنك أن تحصل على إجابة سهلة للسؤال الصعب الذى أصاب المصريين بالحيرة منذ تنحى مبارك فى 12 فبراير 2011 وهو هل توجد صفقة بين الإخوان والمجلس العسكرى؟
- الآن يمكنك أن تصدق جميع الأخبار التى كانت تكذب وجود صراع على السلطات بين المجلس العسكرى والرئيس محمد مرسى.
- الآن يمكنك أن تفهم وتحصل على خريطة كاملة تشرح لك سر تقلبات الموقف الإخوانى تجاه المجلس العسكرى، وبالتالى تدرك لماذا كانت تصريحات الإخوان فى العلن تتحدث عن عداوة شرسة مع المشير بينما كان قيادات الجماعة حاضرين فى اجتماعات الغرف المغلقة مع المجلس العسكرى.
- الآن يمكنك أن تضع «صوابع يديك العشرة» فى كل من يحدثك عن الدولة العميقة أو محاولات تعجيز الرئيس أو كل من يقول لك لا تحاسبوا الرئيس الآن لأنه لا يملك الصلاحيات كاملة.
مرة ثانية وثالثة وعاشرة من حق محمد مرسى أن يتخذ ما يلزمه من القرارات التى تغنيه وتغنينا عن الحديث حول الدولة العميقة والصلاحيات غير المكتملة والأجهزة التى تكبل يده، طالما تحركت تلك القرارات فى إطارها الشرعى والقانونى ولم تدخل تحت بند الإقصاء وتصفية الحسابات.
إحالة المشير وعنان للتقاعد وإنهاء عصر مبارك وأهله أمر واجب ومطلب شعبى تأخر كثيراً وتحقيقه الآن بقرار إخوانى لا يعنى أبدا أن يتأفف منه البعض أو يمنع نفسه عن رؤية ما فيه من قضاء على بقايا عهد بائد وبقايا عسكرة الدولة، ولكن هذا لا يعنى أيضاً أن المجال مفتوح أمام الإخوان ليتأففوا من هؤلاء الذين يخشون من ضبابية ما نحن إليه متجهون، فإذا كان محمد مرسى فى حاجة إلى دعم الشعب فإن الشعب فى حاجة إلى صراحة الرئيس وشفافيته، وتلك حقيقة يجب على الإخوان أن يدركوها جيدا حتى لا يصبح من السهل عليهم توزيع اتهامات الخيانة والسعى إلى تعجيز الرئيس لكل من سأل أو عارض أو انتقد.
الأمر الأهم فى قرارات مرسى الأخيرة يكمن فى أنها ترفع الحرج عن الجميع، إعلاميين وكتاب وسياسيين، فعلى مدى شهر مضى كنا كلما كتبنا نقدا لمحمد مرسى يصرخ أنصاره فى وجوهنا حرام عليكم الرئيس مكبل وأنتم بنقدكم هذا تدعمون العسكر، وحينما نكتب نقداً لأداء المجلس العسكرى يصرخ معسكر القوى المدنية قائلين: حرام عليكم أنتم بهذا الشكل تدعمون الإخوان وأخونة الدولة والجيش، الآن وبقررات مرسى الأخيرة تم فض الاشتباك وأصبح هناك رجل واحد يحمل المسؤولية بعد أن صفى خصومه - إن كانوا خصوما فعلا - وبالتالى أصبح حسابه واجبا على كل كبيرة وصغيرة تحدث فوق تراب مصر.