منذ نشأت سلطة الحكم نشأ الصراع مع المحكومين حول حدود حرية كل من الطرفين فى كيفية حماية المصالح والدفاع عنها، ولما كانت المصالح تتناقض فقد ظل الصراع قائما حول معانى الحقوق، والواجبات، والحريات، وحدود كل منها. ولقد أثبتت وقائع التاريخ أن تلك المعانى نسبية وليست مطلقة، وحدود المسموح والممنوع متغيرة دوما حسب مقتضى الحال. وللسلطة أكثر من مظهر أشهرها السلطة السياسية التى تريد من الجميع الانصياع لها والإيمان بقدرتها على إنجاز الأمور سواء أكانت سلطة منتخبة أم مفروضة، وبالتالى فإن الذين يعارضونها يدخلون فى دائرة التمرد والعصيان، ويحق عليهم العقاب.
وفى مصر، فإن رقابة السلطة على حرية التعبير أمر قديم، حيث لم يكن يسمح بتكدير خاطر الحاكم من قبل رعاياه، ثم أخذت شكلا رسميا مع المطبعة التى جاءت مع الحملة الفرنسية، حين أصدر بونابرت أمرا (14 أغسطس 1798) يحذر فيه من طبع أى شىء «دون الحصول على أمر منه»، وعندما صدرت «الوقائع المصرية» فى عهد محمد على كانت تعليماته ألا ينشر فيها إلا «النافع والمفيد وتجنب ما يؤدى إلى الضرر»، وهذا يعنى أن تحديد النافع والضار مرهون بإرادة الحاكم حسبما يرى.
ولقد توالت القيود طوال العهود التالية حتى وقتنا هذا، واختلفت أبعادها حسب توجهات كل سلطة، وحسب طبيعة الظروف الموضوعية القائمة، وهناك ترسانة من القوانين والتعليمات الحاكمة فى هذا السياق، وخلاصتها أن كل سلطة حاكمة تحمى سلطاتها بالكيفية والوسائل التى تراها، والفرق بين سلطة وأخرى يكمن فى مغزى المصالح التى تعمل على حمايتها، وما إذا كانت مصالح طائفة اجتماعية معينة: عرقية أو دينية أو مذهبية، فيقال عنها حكومة عنصرية، أم مصالح طبقة رأسمالية، فيقال عنها حكومة أقلية طبقية، أم تكون مصالح عموم العمال والمهنيين والموظفين، فيقال عنها حكومة شعبية.
وفى كل الأحوال فإن السلطة الحاكمة تستند فى قراراتها الحامية إلى شرعية ما، ومع كل قرار تصدره هناك حملة المباخر الذين يبررون كل ما تأتيه من تصرفات وإجراءات، وفى الوقت نفسه هناك من ينتقد هذه القرارات، ومن ثم يحدث الصراع بين الحاكم والمحكومين، وكل طرف يلوم الآخر على مواقفه دون أن يقنع أحدهما الآخر. ولقد كانت قوى المعارضة السياسية فى مصر قبل ثورة 25 يناير تنتقد انفراد مبارك بإصدار تشريعات تستهدف حماية سلطاته وتنكر عليه ذلك. ثم وجدنا أن سلطة الحكم الجديد بعد الثورة تمارس نفس الانفراد بهدف حماية المصالح التى تعبر عنها. ولعل أبرز مظاهر ذلك الانفراد قيام الرئيس مرسى بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل الصادر فى 17 يونية 2012 الذى يجعله رئيسا شرفيا أكثر منه فعليا، وإصدار قرار آخر نقل بمقتضاه السلطة المقررة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى المادة 56 فى الإعلان الدستورى (30 مارس 2011) إليه، وذلك دون إجراء استفتاء على مثل هذا التعديل، بينما عندما تقرر بطلان مجلس الشعب بحكم المحكمة الدستورية العليا اعترض الإخوان المسلمون وطالبوا بالاستفتاء على الحل، وهكذا يصبح تبرير الإجراءات والتصرفات أمرا سهلا، مرة بالاستناد إلى الشريعة، ومرة بالاستناد إلى شرعية الثورة حتى عندما تصادر جريدة أو تغلق قناة فضائية أو يتعرض كاتب للضرب بسبب إهانته للرئيس، وأصبحنا من جديد أمام قانون العيب فى الذات الملكية زمن الملك فاروق، وسجن كل من يتهم بذلك. وفى هذا صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال فى ثلاثينيات القرن العشرين:
إذا نطقت فقاع السجن متكأً وإن سكت فإن النفس لم تطب
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سليمان صلاح
أثبتت الأيام أننا نضيق تماما بالرأى الآخر ،مالم يكن معنــــ*****ــــــــــا