للسرقة أنواع.. بعضهم يضع يده فى جيب الدولة ويحصل على قطعة أرض هنا، أو حوافز وبدلات لا يستحقها من هناك، وبعضهم يعمل فى اليوم دقائق بدلاً من ساعات، وبعضهم يقضى يومه فى مؤسسته نائماً، ولكن أشد أنواع السرقة تلك التى تسلب حقوق الله وأملاكه، ولا تخشى فيها الأيادى الحصول على ما لله من صدقات أو تبرعات أو زكاة، وبعض لصوص مال الله يسرقونه مبكراً بمنعه عن الخروج من خزائنهم، وبعضهم يسرقه بتلويث صورة جمعه أو التبرع به أو تسفيه وتشويه الجهد المبذول لحث الناس على العطاء، وكثير منهم يسرقونه بعدما يخرج من جيوب أصحابه ويذهب إلى جمعياتهم ودورهم ومؤسساتهم التى تدعى توزيعه بالعدل على المحتاجين.
سامحنا يا الله، فلم يكن خاطر أحد منا على استعداد لتلقى صورة من تلك التى يظهر بها أولئك المتأنقون ويده تمتد خلسة إلى صندوق مكتوب عليه بالبنط العريض «صدقة جارية» وتخرج منتفخة بينما الصندوق يئن خاويا، لم نكن على علم أن الأرض أصبح عليها من تمتد يده ليسرق حنفية ماء أعلاها يافطة كتب عليها «سبيل لله».
سامحنا يا الله، لأن سذاجتنا جعلتنا على يقين من أن للفساد حدودا، سامحنا لأننا تركناهم يفسدون فى الأرض يسرقون ويزورن ويأكلون أموال اليتامى ويتاجرون بأمراض الفقراء حتى أصابنا الضعف وتآكلت سيوفنا فلم نعد نقوى على حماية أموالك التى وهبتها للفقراء وذوى الحاجة وهم يتصارعون عليها.
الفساد هناك.. أسفل القبب السماوية والأسقف التى تتبع الرسائل الإلهية أشرس وأقبح مليون مرة من فساد الحكومة، لأنه يتم من أسفل عمامة أزهرية، أو لحية وهابية، أو صليب مقدس، أو شهادة نسب لآل بيت الرسول، أو وزارة أنشأوها لحماية كل ما تم إيقافه ووهبته لله.
هناك.. فى وزارة الأوقاف، والكنيسة، ونقابة الأشراف، والطرق الصوفية، والجمعيات الشرعية، والجمعيات الخيرية.. أموال خرجت من جيوب أصحابها لله، فامتدت إليها أياد خبيثة وحولتها إلى جيوب وحسابات بنكية أكثر خبثاً.
ألم تسأل نفسك يوماً لماذا تعيش هذه الأماكن المذكورة فى مشاكل دائمة؟، لماذا تتقاذفها الأزمات؟، لماذا لا يسلم مكان واحد منها من الشبهات والشائعات مع أنها أماكن ربانية الهدف والمقصد والوظيفة؟، ألم تسأل نفسك على أى شىء يتصارع العاملون بها رؤساء ومرؤسين رغم أنهم يركزون كثيراً على جملة اعتراضية اسمها «نحن نعمل لله أولاً»؟ ألم تسأل نفسك يا عزيزى لماذا تتكدس قضايا الاختلاس والسرقة فى المحاكم باسم هذه الأماكن؟ ألم يثر انتباهك هذا الكم من أوراق الجهاز المركزى للمحاسبات الذى يتحدث عن أموال مهدرة هنا وهناك؟ ألا يدهشك ذلك الصراع الفقهى على أموال المتبرعين، من يأتى بحديث ليجعلها حلالا للأيتام، وآخر يأتى بحديث ليجعلها واجبة للمرضى، وثالث يأتى برأى فقهى يجعلها أوجب لذوى الاحتياجات الخاصة أو البحث العلمى، وآخرون يصنعون إعلانات دامية ليجعلونها أكثر وجوبية لأطفال الشوارع فى صراع على صدقة جارية غالباً ما ينتهى الحال بها إلى جيوب أخرى غير محتاجة تماماً؟! ألا تقرأ الصحف وما بها من اتهامات متبادلة بين العاملين فى هذه الأماكن وكلها اتهامات تتعلق بالمال؟.. إنه صراع من نوع مختلف على مال ذى طبيعة مختلفة، مال تخيل الفاسدون أنه سايب لأن لا صاحب له على الأرض يحميه بعقود أو بخزائن حديدية أو بسلطة قانون، أو بأجساد فارعة لبودى جاردات لا يفهمون سوى لغة الضرب، غافلين عن أن المال فى النهاية هو مال الله.. وما لله لا يضيع أبدا ولو بعد حين.