د. بليغ حمدى

حُكُومَةُ هُواةٍ.. وشَعْبٌ مُحْتَرِفٌ

السبت، 18 أغسطس 2012 10:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقولون إن الأسلاك المستخدمة بشبكات الكهرباء قديمة ومستعملة لعشرات السنين لذلك فإنها غير صالحة للاستخدام وهى سبب رئيس لانقطاع الكهرباء عن مصر فى شهر رمضان. يقولون إن المكافآت والعلاوات والحوافز التى يحصل عليها العاملون بالكهرباء قليلة ولم تصل إلى حد الثراء الفاحش كما يتوقعون، لذلك فإنهم المتسببون فى انقطاع الكهرباء أيضاً. ويقولون إن هناك حفنة مرتزقة من النظام السابق يريدون الإيقاع بالرئيس محمد مرسى وإظهاره أمام الشعب بأنه عاجز تماما عن حل مشكلة انقطاع الكهرباء.

ودونما استهلاك للحديث عن مشكلة انقطاع الكهرباء إلا أنها أصبحت ظاهرة سخيفة فأنا على سبيل المثال لا أشاهد ما يقدمه التليفزيون من الأساس، ولكنى أصبحت أنتظر مسلسل انقطاع الكهرباء كما تنتظر ربة المنزل مسلسل السابعة والربع. وكما هى ظاهرة انقطاع الكهرباء صارت مستمرة طوال الشهر الفضيل مثلها مثل الدورات الرمضانية الكروية هناك أيضاً ثمة ظواهر مهمة تمثل عوائق وتحديات مستحيلة الحل أمام الرئيس وحكومته التى أراها مغمورة بدليل أن الشارع المصرى لا يعرف وجهاً واحداً منها، بالإضافة إلى أن كل وزير من هؤلاء النخبة المختارة أصبح وجها لوجه أمام شعبه وليس حدود موظفى وزارته والإدارات التابعة لها.
وليس الوزير فقط هو الشخصية المغمورة التى يراها المواطن شخصية غير محترفة، بل إن جملة كبيرة من المواطنين لاسيما غير المتحمسين للدكتور مرسى أو لحكومته برئاسة الدكتور هشام قنديل، يرون أن مشكلات مصر القائمة والتى تزداد سوءاً بعد سوء أكبر من رئيس أو فريق رئاسى أو حكومة تساندها جماعة الإخوان المسلمين بقوتها وعتادها، وحينما نخبر القيادات برأينا نجد ردهم على الفور بهل كان يعجبنا نظام حسنى مبارك ورجاله؟

والقضية لا تتعلق بمبارك وعهده البائد الذى ذهب بلا تذكرة عودة بل تتعلق بحاضر مصر ومستقبلها، وأصبحت نغمة الحديث المكرورة والمملة عن مساندة الإعلام والصحافة لخطة البلاد، لاسيما وأننا لم نستشعر أى خطة تذكر قد تحققت بالفعل، وهل سكوت وصمت الإعلام الغالى والرخيص والأصفر والأحمر هو الذى سيطلق قيود الحكومة والرئيس، وهل هؤلاء المعتصمون والمضربون والمرابطون بهيئاتهم ومصالحهم أمامهم فرصة لالتقاط صحيفة أو متابعة برنامج يتناول مشاكل مصر؟.

ولعل أكبر مشكلات مصر القادمة بخلاف الاقتصاد والتعليم وتوفير الحياة الاجتماعية الكريمة هى مشكلة تصعيد الإخوان فى حديثهم بأن الهجوم على شخص الرئيس فى حل مشكلات البلاد هو هجوم موجه ضد الجماعة فالجماعة لا تزال تعيش فى أسر أن الرئيس مرسى هو رئيسهم فحسب وليس رئيسك ورئيسى وجميع المصريين، وهذا يجعلنى أذكرهم بأن رفض فكرة مشروع النهضة لم يكن هدفاً فى ذاته، ولكن لأن الجماعة نظراً لاستبعادها اجتماعيا وسياسياً وحياتياً عشرات السنين جعلتها تتخيل مصر أخرى غير التى نعيش فيها.

مصر التى تبحث بلهفة عن كوب ماء نظيف وليس مشروعاً للنظافة قد يتحقق فى سويسرا أو النمسا، ومصر التى تحلم بطريق خال من أعمال البلطجة وآمن ليست فى حاجة اليوم بتصريحات استشرافية أشبه بحديث الناقد الأدبى المعاصر عن قصيدة نثرية غير مفهومة. وقد يبدو بعض الكلام أكثر تشاؤماً وهو ليس كذلك إنما الكلام يبدو قلقاً ومتوجساً من أيام تمر بسرعة الريح ومصر لا تزال تقبع فى حديث الأيام الأولى للثورة.

ولعل أكبر مقلب ـ إن جاز التعبير ـ أخذه الشعب المصرى هو عدم محاكمة مبارك ونظامه محاكمة تشفى صدره، وأنه لا ولن يستطيع الحصول على مليم مخروم من أموال النظام السابق، وأننا بحق بحاجة إلى أموال لتحقيق مطالب الثورة التى بدأت تختفى نشوتها وبردت حرارتها، وبدلاً من أن تفكر الحكومة فى حلول جذرية سريعة لمزالق مصر وجدناها تتشدق بنفس الحديث أيام مبارك بأنها ستسعى وتجاهد وتثابر وتحارب أيضا لكنها فى النهاية لن تحقق شيئاً.

إن مصر التى قامت بثورة عظيمة لا يستطيع جاحد أن ينكر فضلها وقوتها هى مصر المنتظرة بحمل ومخاض عسير، رئيس يعانى الاحتجاجات وحوادث الفتنة الطائفية، ودستور كدت وكاد المصريون أن ينسوه تماماً، وحكومة ننتظر تقديم استقالتها قبل بدء عملها لأن مصر بمشكلاتها لا تعرف أنصاف الحلول، ومع هذا كله كنت أرغب فى لقاء الرئيس السابق حسنى مبارك لأسأله عن الشفرة الكودية التى كان يحتفظ بها حينما كان يشيد مصنعاً أو يبنى كوبرى على النيل لأننى سئمت الاعتصام والإضراب والبلطجة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة