كل من يتابع أعمال الجمعية التأسيسية والنقاشات حول مواد الدستور الجديد يشعر بالأسى والحزن، لأننا فى القرن الواحد والعشرين نناقش بديهيات وندافع عن وحقوق حريات أصبحت مستقرة فى الضمير الإنسانى ولم تعد تناقش على الإطلاق.
فعلى سبيل المثال تضمنت المناقشات نظرية السيادة وهى النظرية التى استقرت عليها الدولة المدنية بعد معارك ضارية مع الدولة الدينية، ومفهوم الحكم بالحق الإلهى التى كانت سائدة لفترات طويلة فى القرون الوسطى فى أوروبا، وكانت سببا لكثير من الحروب الدامية وعلى رأسها الحروب الصليبية التى قادها حكام أوروبا تحت راية الصليب وأنهم مدعمون بالحماية الإلهية وما نتج عن ذلك من فظاعات واضطهاد لأقليات دينية فى أوروبا. فاقتراح السياده لله كبديل للسيادة للشعب الذى قدم أثناء مناقشة المادتين الأولى والثانية فى الدستور هو بالتأكيد عودة لمفهوم الحكم بالحق الإلهى الذى ينهى أى قيمة للرأى العام، والشعب صاحب السيادة ومصدر كل السلطات.
ويؤدى إلى الحكم المطلق ويسحب حق الشعب فى محاكمة أو مساءلة الحاكم، إذا انتهك الحق وقيد الحريات. وهناك عدد من المواد أثارت القلق والشك فى اتجاهات الجمعية منها.
1 - ما جاء بالمادة الخاصة بحرية الرأى والتعبير التى ناضلنا كثيرا من أجل إلغاء العقوبات السالبة للحرية من جرائم النشر والاكتفاء بالتعويض المدنى لكل من تضرر من المواطنين والعمل على إطلاق الحريات الفردية، والحق فى التعبير والتنظيم، والتجمع السلمى، وكل أشكال التعبير الفردى والجماعى عن الرأى بما يعطى للمواطنين أدوات سلمية للنقد للسلطة والتعبير عن الاحتياجات والآمال والطموحات دون قيود. إلا أن صياغة المادة فى الدستور وضعت قيودا على ممارسة الحقوق بعبارات يمكن استخدامها لتقييد الحرية كالأمن القومى أو النظام العام أو الآداب العامة، وهى تعبيرات فضفاضة يمكن بموجبها قمع كل من الحقوق والحريات.
2 - أيضا النص فى المادة الأولى على أن مصر دولة ديمقراطية شورية ومفهوم الشورية الذى قدم فى هذا النص يضع العديد من علامات الاستفهام، فالقول إن مصر دولة ديمقراطية يعنى أنها تستمد الشرعية من صندوق الانتخابات، وهو الطريق للتداول السلمى للسلطة واحترام حريات الرأى والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، وحق النقد والنقد للوظيفة العامة، وكذلك الحق فى محاكمة عادلة ومنصفة أمام القاضى الطبيعى، وعدم جواز القبض على إنسان إلا بإذن من السلطة القضائية. هذه هى بعض مفاهيم الدولة الديمقراطية أمام مفهوم الدولة الشورية فهو مفهوم دولة الاستبداد، حيث إن الشورى وفقا لأغلب الفقهاء المسلمين غير ملزمة للحاكم، وهو المفهوم السائد لدينا يمكن للحاكم أن يستشير قبل أن يتخذ القرار، ولكنه لا يعنى أى التزام بمفهوم دولة سيادة القانون الحديثة.
فما هى النظم السياسية التى تأخذ بالشورى الآن كنظام ديمقراطى فعال، هل هى أفغانستان مثلا من خلال هيئة شورى العلماء أثناء حكم طالبان، أم هى المملكة العربية السعودية من خلال مجلس الشورى، والذى ليس لديه أى سلطة تشريعية أو رقابية. لا يوجد نموذج لدولة إسلامية مدنية تأخذ بهذا المفهوم فلا ماليزيا ولا تركيا النظامان اللذان يتخذان الديمقراطية نظاما سياسيا وفقا لنص الدستور الذى لا يتبنى الشورى الذى يدعم دولة استبدادية دينية لا تتبنى أى قيم لدولة سيادة القانون، فهو يؤكد المخاوف التى لدى قطاعات واسعة حول محاولة إنشاء دولة دينية أو تأسيس نظام يجد له مرجعية فى الدستور لدولة الخلافة الإسلامية.
الحقيقة الواضحة للعيان أننا بصدد دستور لدولة دينية ليست هى الدولة التى حلمنا بها فى ميدان التحرير، فحلمنا هو الحرية التى تتناقض مع كل المواد التى تم اقتراحها لتقيد الحريات الدينية أو حرية العقيدة أو تأسيس دولة شورية، وهذا ليس دستورنا، لذلك أعتقد أن علينا الاستعداد لمعركة إسقاط الدستور إذا لم نستطع إيقاف عمل هذه اللجنة، فمصر تستحق دستورا يليق بها وبشعبها الذى أثار إعجاب العالم بثورته وبقدرته على التغيير.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد امين
صفى قلبك قبل ما تكتب