عندما ذهب الشيخ محمد عبده إلى بلاد أوروبا لفت نظره أن الناس هناك يحترمون بعضهم بعضا، ويؤدون عملهم بإخلاص ودقة وأمانة، ولا ينال أحدهم من حرية الآخر، فعقد مقارنة سريعة بين أخلاق الأوروبيين، وأخلاق المسلمين فوجد أن الأوروبيين المسيحيين يتخلقون بأخلاق الإسلام فى معاملاتهم وأعمالهم على حين أن المسلمين بعيدون عن أخلاق دينهم فقال قولته المشهورة: «رأيت فى أوروبا إسلاما بلا مسلمين».
ورغم بلاغة هذه العبارة التى صارت مثلا فإن الشيخ محمد عبده لم يدرك أن سبب حسن أخلاق الأوروبيين يكمن فى القانون الذى يحفظ التوازن بين مصالح الأفراد، بحيث لا يعتدى الخاص على العام ولا العام على الخاص وذلك عن طريق العقوبة الرادعة على من يخالفه والتى لا يستثنى منها أحد، كائنا من كان، وهذه العقوبة هى التى أيقظت الضمير فلم يعد غائبا، وساعدت على أن تجد مبادئ الدين طريقها فى التعامل بين الناس فلا يؤذى أحد أحدا والكل أمام القانون سواء. ومن هنا كان الدستور الذى لم تعرفه شعوب أوروبا إلا فى 1793 مع الثورة الفرنسية «1789» ليعبر عن هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين المواطنين بعضهم بعضا.
ومنذ اتصل المصريون بالغرب انشغلوا بهذا النوع من العلاقات الأخلاقية بين الناس، فلما حان وضع الدستور «صدر فى إبريل 1923»، اقترح الشيخ محمد بخيت مفتى الديار وعضو لجنة وضع الدستور أن يتضمن الدستور مادة «إن الإسلام دين الدولة..»، فأصبحت هذه المادة سند الجماعات الإسلامية منذ حسن البنا لإقامة الحكومة الإسلامية، ثم زاد هذا النشاط درجة عندما تمت إضافة جملة «ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع» «تعديل عام 1980 لدستور 1971».
وهكذا نشأ الاعتقاد لدى الإخوان المسلمين وغيرهم من فصائل التيار الإسلامى أن إصلاح شأن المجتمع المصرى لن يتم إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا، ويبدو هذا واضحا فى المعركة الدائرة حاليا بين أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور فيما يتعلق بالمادة الثانية بين الأخذ بأحكام الشريعة أم بالمبادئ الكلية للشريعة. وبصرف النظر عما سوف تنتهى إليه صياغة تلك المادة، فإن إصلاح حال المجتمع ووضعه على عتبات الأخلاق الحميدة كما يريد أنصار التيار الإسلامى فيما يعرف بـ«أسلمة المجتمع» لن يكون بمجرد النص دستوريا على الأخذ بالشريعة، ذلك أن الأخلاق تتحدد من واقع الظروف الاجتماعية ومن هنا نسبيتها، فما يكون عيبا فى مجتمع ما، لا يكون كذلك فى مجتمع آخر، على حين أن الشريعة تدور فى نطاق المطلق ومن هنا تتضح «الإشكالية» حين نحكم بالثابت على المتغير، وللخروج من هذا المأزق جاء «الاجتهاد» الذى يعنى التوصل إلى حكم شرعى فى أمر ليس فيه نص قطعى. ورغم ذلك فإن الأخلاق لم تتغير إلى الأحسن، لأنها ظلت فى نطاق المثالية، وتصرفات الناس تتم فى إطار الواقع المتغير.
وما لم ننتبه إلى فكرة القانون المصحوب بالعقوبة والذى يحفظ التوازن بين شرائح المجتمع فلن تقوم للأخلاق الحميدة قائمة مهما كان النص فى الدستور على وضعية معينة للشريعة، وحتى يحظى القانون بالاحترام يتعين أن يأتى وضعيا، أى لا يستمد نصوصه من أية شريعة دينية حتى يمكن تغيير نصوصه وفق المتغيرات الاجتماعية. وفى هذا الخصوص لا يصح الاستشهاد بأن دولا أوروبية تنص فى دساتيرها على أن المسيحية دين الدولة، لأن دساتير تلك الدول لا تنص على أن الشريعة المسيحية هى مصدر التشريع مثلما نقول عندنا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء سرور
الدين أصبح عندنا مطية للوثوب للسلطة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد جمال
أسف أ/ عاصم
عدد الردود 0
بواسطة:
جهاد السكندرى
المجتمع مسلم ونحتاج لأسلمة الحكم
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الحق الجزائري
تنويه
عدد الردود 0
بواسطة:
عزت المصرى
مقولة غير مفبولة بل اتت المسيحية بالمثل العليا
عدد الردود 0
بواسطة:
درويش المعتزل
كفايانا ضحك علي أنفسنا
عدد الردود 0
بواسطة:
عثمان
اقم العدل تستقم الامور
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد البكرى
بعد فوات الأوان
عدد الردود 0
بواسطة:
د. عبدالغنى زهرة
مجتمع مسلم
عدد الردود 0
بواسطة:
نور وصفى وتقى وعبدالله
الهدف