د. بليغ حمدى

بَيْنَ اللِّحْيَة والنِّقَابْ .. اِفْتِرَاءٌ وعِتَابْ

الجمعة، 24 أغسطس 2012 02:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أجد مبرراً واحداً يدفعنى لارتداء ثوب الدفاع عن أصحاب اللحى من الرجال، وصاحبات النقاب من النساء الفضليات سوى ما أرصده من تكهنات وتأويلات ظنية قد لا تشارف اليقين نحو هؤلاء وهؤلاء. ففى فترة التسعينيات كان أصحاب اللحى لا سيما المنتمون لجماعات التيار الدينى محط قنص ضباط جهاز أمن الدولة المنحل، لدرجة أننى على علاقة ببعض هؤلاء الذين قرروا ساعتها حلق لحاهم خوفاً من بطش وتعذيب وتنكيل الضباط بهم، ليس كل الضباط طبعاً ولكن قل حفنة مندسة منهم وهذا بالقطع افتراء.
ووقتها صار المجتمع المصرى بطوائفه وفصائله ينظرون لهؤلاء على أنهم إما يشكلون خطراً على أمن الدولة وأمن المجتمع بل واقتصاد الوطن بأكمله، لأنه بات وتغلغل فى مخيلة المواطن البسيط ساعتها أن الدولة الأجنبية لن تستثمر أموالها فى مصر خشية تعرضها لمضايقات من بعض أصحاب اللحى وهذا بالقطع افتراء.

وخصوصاً أن الإعلام تواطأ بامتياز مع الأجهزة الأمنية ساعتها فى تصوير كراهية أصحاب اللحى لأى أجنبى ولأى استثمار دخيل فى وطنهم، بجانب كفاءة القائمين على صناعة الصورة آنذاك فى تجسيد مدى رتابة وتعقد وتأزم الحالة السيكولوجية لصاحب اللحية حتى صار متطرفاً رافضاً ثائراً لكل شىء وهذا بالقطع افتراء.
وتأكيداً لإقناع المجتمع بخطورة أصحاب اللحى، استطاع النظام السياسى أن يستبعد هؤلاء اجتماعيا ومدنيا من الصورة والمشهد الاجتماعى برمته، بل إنه نجح فى تكريس صورة ذهنية لدى المواطن بأن مشاركة أصحاب اللحى من التيارات الدينية المتشددة سيعرض رزقه ولحياته لخطر وشيك، وبالطبع لو كنت من أمثال هذا المواطن البسيط فى فكره وتحليله وخوفه من بطش الهراوات الخشبية لكنت أول من يبلغ عن هؤلاء للأجهزة الأمنية، وبالقطع هذا افتراء.

والمدهش حقاً أن أصحاب اللحى لاسيما من المنتمين للتيارات الدينية عن اقتناع وممارسة فضلوا القيام بدور المستبعَد بصورة فاقت تخيل النظام السياسى، بل إن منهم من كان فرس رهان لأن يكسب النظام السياسى الحاكم معركته ضدهم، وكل ما يذكر عن أصحاب اللحى ينطبق تمام الموافقة والمشاكلة على نسائنا الفضليات المحترمات المرتديات للنقاب دون الدخول فى تفريعات فقهية ليس مكانها هذا السياق.

بل زاد الافتراء العجيب على هؤلاء المظلومين بعضهم أنهم يسعون دائماً للتسلط فى الرأى والمغالبة لا المشاركة لباقى طوائف المجتمع، وأن بهم طمعاً لا حدود له، وشرهاً فى السلطة لا نطاق له أيضاً، وهذا بالقطع افتراء.
ولكن رغم تلك الافتراءات التى صاحبت أصحاب اللحى والمنتقبات من جمود فى الفكر والتقهقر للماضى فحسب والشره فى السلطة وقمع الآخر والقضاء عليه باسم الدين، يبقى العتاب لهؤلاء وهؤلاء إن حق لى من باب أن النصيحة ثقيلة فلا تجعلها جبلاً.
فلم أجد من هؤلاء من يحترف صناعة الأدب من شعر وقصة ورواية وكتابة للمسرح اللهم إذا كانت هذه الصنوف الأدبية بدعاً ورجساً يخالف الشريعة والعقيدة، وبحكم شهادتى للدكتوراه فى اللغة العربية والتربية الإسلامية لا أرى أن تلك الفنون تخالف شريعة ما دامت لا تحض على رذيلة أو توجه نحو معصية.
ولم أجد من هؤلاء من يريد أن يقتحم مساحات فكرية كالحوار مع الآخر ودراسة آراء المستشرقين والرد على افتراءاتهم نحو الإسلام مكتفين بما تذكره مرجعيات فقهية إما قديمة غير معاصرة أو وافدة علينا من مناخات فكرية وثقافية مغايرة.
أو أن يهتم بعضهم بالمجالات الحيوية التى غزت مجتمعاتنا بقوة نتيجة كونية عالمية أحكمت قواعدها علينا كالتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية وغيرهما من مناطق المعرفة الحديثة، وإن كان بعضهم يمارس ذلك إلا أنه يمارسه خلف فصيل سياسى أو تيار دينى يجعله بعيداً جداً عن وجدان مجتمعه، أو أنه يقتحم تلك العوالم الأدبية والمعرفية باسم جماعته أو فصيله أو تياره الأيديولوجى.

هذه السطور مفادها أننى رصدت بعض المواقف المتباينة من بعض فئات المجتمع تجاه أصحاب اللحى وصاحبات النقاب من أنهم خارج نسيج المجتمع، وهذا افتراء، ولعل العتاب الرقيق قد يدفع بعضهم إلى الالتفات للمشاركة فى مناشط المجتمع المدنى وليس فقط الاقتصار الضيق على المشاركة فى المشهد السياسى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة