دخلت سوريا الحرب الأهلية، الجيش الحر فى مواجهة الجيش النظامى، حرب فى المدن والشوارع، وسط البيوت والأحياء السكنية، طائرات الجيش النظامى «الرسمى»، تطير على مناطق سكنية تغير على مناطق سكنية بدعوى أن بها إرهابيين، الجيش الحر لديه أسلحة قادرة على إسقاط طائرات الميج 26 التى يملكها الجيش النظامى، وليتنا نتذكر ونتحسر أن الجيش السورى «الرسمى» هو الذى خاض حرب أكتوبر 73 على الجبهة السورية وأن الطائرة الميج كانت أيقونة تلك الحرب، سواء فى الضربة الجوية المصرية أو الحرب على الجبهة السورية.. أهين الجيش العربى السورى حين وجهت دباباته وطائراته إلى الداخل السورى، حدث ذلك زمن حافظ الأسد فى حماة ويتكرر اليوم.
وفى مقال سابق، على هذه الصفحة قلت إن سوريا ليس لديها نفط العراق ولا نفط ليبيا، لذا فإن الولايات المتحدة ودول الغرب لن تتدخل عسكريا، وسوف تترك الشعب السورى يتقاتل، ويبدو أن الطاغية بشار أدرك ذلك وتصور أنه ضوء أخضر ليزداد فى القمع والقتل، ومن يتأمل صور الدمار الآن فى مدن عريقة مثل دمشق وحلب ومعرة النعمان ودرعا وغيرها لابد أن يصاب بالحزن والألم، خاصة إذا كان مثلى زار هذه الأماكن وجابها على قدميه.. قلعة حلب، واسمها قلعة صلاح الدين، تعرضت لقذيفة، يقول الجيش الحر إن الجيش الرسمى هو الذى أطلقها «اللاجئون السوريون» يتواجدون فى الأردن وفى تركيا وفى مصر، جاءت إلينا أعداد كبيرة من الأشقاء السوريين، وبعد أن كان اللاجئون الفلسطينيون هم قضيتنا، صار لدينا اللاجئون السوريون، ومن قبلهم كان اللاجئون العراقيون والليبيون، والحمد لله أن الرئيس السابق حسنى مبارك واللواء عمر سليمان والفريق شفيق والمشير طنطاوى جنبوا مصر وجنبوا الشعب المصرى مثل هذه الحالة المؤلمة سياسيا وإنسانيا والمدمرة للوطن بأكمله.
ما يجرى فى سوريا وما جرى قبلها فى ليبيا وفى العراق وفى اليمن وفى البحرين يعلن بوضوح أن لا معنى ولا دور حقيقى للجامعة العربية، الواضح أنها كانت جامعة الرؤساء وأنظمة الحكم فقط.
الأزمة انتقلت من سوريا إلى لبنان، والتباحث حول الحل يدور فى تركيا وفرنسا وروسيا والصين، أى خارج العالم العربى، والأمر الآن صار معلقا بالطاغية.. أول رئيس جمهورية عربى يرث الرئاسة عن والده، المعارضة تطالب برحيله والحكومة السورية مستعدة للتفاوض حول أى شىء إلا رحيل الأسد، كما حدث بالضبط أيام صدام حسين فى العراق والقذافى فى ليبيا، لكن الطغاة لا يتعلمون.
ما يحدث الآن هو خروج عن تاريخ سوريا، هى أول بلد عربى عرف أن يترك رئيس الجمهورية موقعه فى تداول سلمى للسلطة، سنوات الأربعينيات، قبل أن تغزوها الانقلابات العسكرية المجهزة أمريكيا فى نهاية الأربعينيات، وفى سنة 1958 وجدنا الرئيس شكرى القوتلى يتنازل عن الرئاسة طواعية أمام رغبة الشعب السورى فى الاتحاد مع مصر، ثم جاء حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار ليتعاملا مع سوريا وكأنها عزبة خاصة وليست وطنا وشعبا كبيرا.
سبق أن تعرضت سوريا لما هو أسوأ من ذلك، تيمورلنك غزا دمشق واستباحها أياما، وكذلك الحال زمن الحروب الصليبية، وفى العصر الحديث مع الاحتلال الفرنسى، وكانت دمشق وكانت سوريا تعود للنهوض، سوف يرحل بشار الأسد وتتجاوز سوريا الأزمة، السؤال الآن: أين نحن فى مصر من هذه الأزمة؟ المملكة العربية السعودية دخلت من البداية طرفا فيها إلى جوار المعارضة وخصوم بشار. مصر لم تدخل طرفا، لم تساند المعارضة والثوار، كما أنها لم تساند بشار علنا، كان ذلك زمن المشير طنطاوى، أما الرئيس د. مرسى فأطلق بعض التصريحات المنددة بما يحدث فى سوريا من عنف وتدمير، ومن ثم يمكن لأى من الفريقين أن يفسرها هناك لصالحه، لكن لا يليق أن تقف مصر محايدة وعلى مسافة بعيدة من هذه الأزمة.. الأمر يحتاج لمبادرة رئاسية تقوم بها الدبلوماسية المصرية لمحاولة البحث عن تصور لحل.