قضية تلوث المياه ليست مشكلة سياسية يمكن الجدل حولها، لكنها قضية حياة أو موت لكل المصريين. وتخص كل الجهات وتحتاج لتدخل عاجل من الدولة، واهتماما من كل التيارات.
مشكلة تلوث مياه الشرب ليست وليدة اليوم، لكنها جريمة مستمرة من عشرين عاما وأكثر، وهى واحدة من أكبر جرائم نظام مبارك فى حق المصريين. لكنها أيضا القضية الأهم التى يجب أن توضع على رأس اهتمامات الرئيس والحكومة والبرلمان بعد انتخابه، بعد أن ظلت سنوات تتم مناقشتها فى مجلس الشعب دون حل. لقد وصل الحال بما يقارب ربع المصريين، أن يشربوا ماء مخلوطا بالصرف، وملوثا بمواد قاتلة. يطاردهم الفشل الكلوى وأمراض تلوث المياه، التى تصيب الأطفال فى بطون أمهاتهم.
مؤخرا أفقنا على إصابة أهالى قرية صنصفط منوفية، وأثبتت الفحوص والتحاليل المعملية تلوث مياه الطلمبات «الحبشية» وشبكة المياه الرئيسية بالقرية.. تلوث المياه لا يتوقف على قرية «صنصفط»، لكنه يمتد بطول مصر وعرضها، وأغلب قرى ومدن الوجهين البحرى والقبلى تشرب مياها ملوثة بالصرف. والطلمبات الحبشية تجلب مياها ملوثة بالمواد السامة كالرصاص والزرنيخ.
قضية معروفة منذ عقدين على الأقل، وتصاعدت فى السنوات العشر الأخيرة من نظام مبارك، فى وقت كانت حكومات مبارك تتباهى بإنفاق 1000 مليار جنيه على البنية الأساسية، وهو رقم يتجاوز ما أنفقته أمريكا أو أى دولة أوروبية. ومع هذا كان المصريون يشربون مياها ملوثة، وتجاوزت نسبة أمراض الفشل الكلوى خمسة أضعاف النسب العالمية. وهناك دراسة أعدها أساتذة الكيمياء التحليلية بكلية العلوم بجامعة المنصورة عام 2009 كشفت عن أن 100 ألف يصابون بالسرطان سنوياً بسبب تلوث المياه، وأن أكثر من 35 ألفاً يصابون بالفشل الكلوى، بينهم أكثر من 17 ألف طفل.. وتذكر بيانات جمعية مكافحة الفشل الكلوى أن نسبة الإصابة بالفشل الكلوى ارتفعت بنسب تتجاوز 500 مريض لكل مليون نسمة، وتتزايد بنسبة %40 سنوياً.
مشكلة تلوث المياه ليست وليدة اليوم لكنها تراكمات عشر سنوات، وتحتاج إلى تدخل عاجل وسريع، من كل الجهات العلمية والمحلية، وإلى عمل مشترك من كل الهيئات، وأن يستخدم الرئيس سلطاته لتشكيل مجموعات عمل، تواجه تلوث المياه، وتضع له حلولا نهائية. تبدأ من حماية النيل.
ومصر تواجه التلوث بالرغم من أنها غنية نسبيا بمصادر المياه، وعجزت طوال العقود الأخيرة عن حماية المصدر الرئيسى للمياه وهو النيل، فضلا عن خزان المياه الجوفية. قضية مياه الشرب كما أشرنا ليست مجالا لجدل سياسى أو اتهامات متبادلة. لكنها أمر عام، يتعلق بالحاضر والمستقبل. وهى قضية تتعلق بأول حقوق الإنسان، والديمقراطية، وشرب «المية الوسخة» يجعل من الصعب الحديث عن الديمقراطية.. وهى إن كانت ليست اختراع اليوم.. فإن استمرارها عار.. ولو لم يضمن الدستور مياها نظيفة للمواطن، لايمكن الحديث عن مساواة وحقوق. ويفترض أن يتضمن الدستور نصوصا لحماية النيل، واعتبار المياه الملوثة جريمة، والماء النقى حق دستورى. لأنه يتعلق بالأمن القومى.