عادة بعد مرور مائة يوم على نظام الحكم الجديد أن يجرى استطلاع لإنجازات النظام خلال هذه الفترة، وبالقطع لا يستطيع أى نظام أن يفعل شىء كبير خلال هذه الفترة القصيرة، خاصة فى ظروف مثل التى تمر بها مصر الآن، لكن الهدف من هذا الاستطلاع فى الأساس ليس الإنجازات، لكن الهدف هو استطلاع الرؤى والمؤشرات للتوجهات نحو الإنجازات، ولكن ما حدث فى المائة يوم الماضية فى مصر لا يعطى فى الواقع أى مؤشرات متفائلة ولا يكشف عن أى رؤى واضحة لخطط وبرامج فعلية على وشك التنفيذ، بل على العكس، المشهد العام يشوبه الغموض والضبابية، كما يشوبه التوتر والقلق الشديد مما هو آت.
على الساحة فى مصر الآن تتصاعد حملات الانتقاد والهجوم على الإخوان المسلمين بشكل عام، وعلى الرئيس مرسى ورئيس الحكومة قنديل بشكل خاص، وتأتى هذه الحملات من جهات مختلفة، سواء ممن يطلق عليهم وصف "الفلول" من أنصار النظام السابق ومن مؤيدى المجلس العسكرى السابق وغيرهم، أو من الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى، أو من جهة شباب الثورة وتشكيلاتهم المختلفة والمتعددة، وأيضا من فئات عديدة من الشعب من الذين ينتظرون حلولا لمشاكلهم فيفاجئون بمشاكل جديدة تنهال عليهم، وأسباب الهجوم والانتقادات كثيرة ومتباينة، لكنها تنصب فى النهاية فى محورين، الأول سعى الإخوان إلى الاستحواذ على السلطة والسيطرة على كل شىء، والمحور الثانى فشل الإخوان فى إدارة البلاد ومواجهة المشاكل السابقة والمستجدة والمتراكمة، خاصة فى مجال الأمن الداخلى والوطنى، خاصة بعد أحداث سيناء والهجمات على أفراد الجيش المصرى.
هذه الحملات الهجومية والانتقادية أعادت مصر إلى الخيار الصعب الذى واجهته فى المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة، حيث كان الخيار مابين الإخوان والفلول، والآن يطرح هذا الخيار نفسه بشكل آخر، حيث يتهم الإخوان معارضيهم جميعا بلا استثناء بأنهم من الفلول ومن أنصار النظام السابق، ونشاهد البعض من القوى السياسية الأخرى، من الذين اعتادوا التقرب للسلطة أيا كانت، يروجون لهذا الاتهام، وبعضهم يطالب بعدم انتقاد الرئيس ورئيس حكومته وإعطائهم الفرصة للعمل ثم بعد ذلك محاسبتهم، وهو مطلب يبدو للكثيرين منطقي، ولكنه ينطوى على خطورة كبيرة مع الشكوك المتزايدة فى حسن النوايا بسبب الأساليب المتبعة فى الاستحواذ على السلطة وحالة الغموض وعدم وضوح أى رؤى للمستقبل.
السؤال حول من الصح ومن المخطئ فى هذا الصراع سؤال فى غير محله ولا يجب طرح السؤال بهذه الطريقة، بل يجب البحث عن أساليب أخرى للخروج من المأزق ولتفادى الصدام، ومن الخطورة الكبيرة أن يكرر الإخوان نفس اللعبة التى لعبوها فى المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة، والتى فازوا بها بالرئاسة، فالوضع الآن مختلف تماماً، والقضية لم تعد هزيمة الفلول وأنصار النظام السابق والوصول للسلطة وكرسى الحكم، فقد وصل الإخوان للسلطة وسيطروا على كل شيء، والآن القضية الوحيدة التى يجب أن تطرح هى مسئولية النظام الحاكم تجاه الشعب، ولا يحق للإخوان، وهم فى الحكم الآن، أن يعودوا لتقسيم الشعب إلى فلول وغيرهم، فقد تعدت مصر هذه المرحلة بانتخابات الرئاسة التى شهد لها الجميع بالنزاهة والديمقراطية، ولا يجوز أبدا للنظام الحاكم الآن أن يفرق بين الشعب ويصنف فئاته إلى فلول وثوار وموالين ومعارضة، لأن هذا التصنيف والتقسيم من قبل النظام يشكل خطورة كبيرة على المجتمع والدولة ككل، كما أنه يطرح فى نفس الوقت الشكوك الكثيرة حول النوايا المستقبلية، ليس فقط فى استخدام هذا التقسيم كشماعة لتعليق الفشل فى تحقيق أية إنجازات، بل أيضا حول احتمال أن يستخدم النظام هذا التقسيم ويتعامل مع كل من يعارضونه على أنهم فلول، ويجعلها حجة ومبرر لاستخدام القوة والقمع ضد كل من يعارض أو ينتقد النظام، وهذا فى النهاية سيمهد لحكم ديكتاتورى مستبد سيدافع عن بقائه فى السلطة للأبد ولو باستخدام القوة والقمع، وسوف يلجأ النظام لاستخدام أجهزة الأمن ويدعمها بكتائبه وميلشياته، وهنا تغرق مصر فى ما هو أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير.
إذا كان نظام الإخوان الحاكم يعمل بالفعل من أجل مصر فعليه أن يتعامل مع المصريين جميعا "بلا استثناءات ولا مسميات"، وأن يبحث عن وسائل حضارية ومقبولة لهذا التعامل، وأن يقابل الانتقادات بالإنجازات الحقيقية الملموسة، وليس بالصور فى المساجد وتمثيليات الزيارات الميدانية المفاجئة التى عفى عليها الزمن، وعلى النظام ألا يضع أى أمال على الفتنة والتقسيم كمبرر لاستخدام القوة والتهديد والقمع، وأخيرا وهو الأهم، آلا يصغى النظام لأى نصائح من جهات خارجية تخطط وتسعى بجدية لاستنساخ الحالة العراقية فى باقى الدول العربية، خاصة بعد أحداث سيناء الأخيرة التى تعطى مؤشرات غاية فى الخطورة على مستقبل مصر، وليس ما يجرى فى سوريا الآن ببعيد عنا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى عوض
عمى القلوب
عدد الردود 0
بواسطة:
هانى واصل
المحور الثانى
عدد الردود 0
بواسطة:
د . ابوحجاج ملك الفيزياء
اللهم انت حسبنا .. ونعم الوكيل
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو احمد
نعالى انت
عدد الردود 0
بواسطة:
الباشا مصرى
الاخوان هم اكبر الفلول
عدد الردود 0
بواسطة:
د/ احمد عبد الفتاح
اتقوا الله فى مصر.
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر
سبحان الله
عدد الردود 0
بواسطة:
سامى
مصر الأن بها جهابذه امثال كاتب المقال استطاع ان يحكم على حكم الرئيس خلال شهرين هم 40 يوم م
عدد الردود 0
بواسطة:
نور
مقال غير منصف
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
الى تعليق رقم 5