أقدر صدمة بعض الإخوة الأقباط من مقال أمس الأول «كهنة الاستبداد البابا والمرشد» الذى هاجمت فيه استعلاء الكنيسة على الدولة ورفضها إشراف الجهاز المركزى للمحاسبات على مواردها، فهم لم يعتادوا على أن يهاجم كاتب محسوب على تيار القوى المدنية كنيستهم ويدين استعلاءها على القانون ونفيها لمفهوم الدولة وهدمها لقيم المواطنة، لذلك لم أغضب من ردود الأفعال الغاضبة على المقال، فقد أخذت على نفسى عهدا بألا أكتب سوى ما يرتاح إليه ضميرى، وللغوغائيين غوغائيتاهم، وللباحث عن الحق والحقيقة والخير والسلام وسيادة القانون كل محبة واحترام.
ولأن بعض من انتقادات الإخوة المسيحيين حملت قدرا من الوجاهة بصرف النظر عما حملته من تجاوز رأيت أن أزيل سوء التفاهم بعرضها ومناقشتها مفترضا أن الجميع لا يبتغى إلا مصلحة الوطن ولا يريد إلا أن ينعم الشعب المصرى بحياته دون فتن أو تمييز بين أبنائه، فقد اعترض بعض الإخوة المسيحيين على إخضاع الكنيسة للإشراف من قبل الدولة قائلين إن الكنيسة لا تحصل على أموال من الدولة وبالتالى فهى غير ملزمة بأن تخضع للدولة، وفى هذا مغالطة كبيرة، فالعديد من المؤسسات الحكومية لا تحصل على أموال من الدولة مثل وزارة الآثار فهل يحق للعاملين بالآثار أن يرفضوا إشراف الدولة عليهم، بالطبع لا، وهل من حق أى مؤسسة دينية أو مدنية تحقق الاكتفاء الذاتى أو تحقق هامش ربح أن تنفصل على الدولة؟ من المؤكد لا، أما القول بأن أوقاف المسيحيين منهوبة وأن الدولة تستحوذ عليها دون وجه حق ولذلك يقابل البابا هيمنة الدولة على بعض الموارد المخصصة للكنيسة بهيمنته على كل موارد الكنيسة فهذا اعتراف بقانون الغاب وليس قانون العدالة، ونفس ما يحدث تجاه أوقاف الكنيسة يحدث تجاه أوقاف الأزهر، وإن كنت «شخصيا» مع حق الكنيسة فى أن تستفيد من أوقافها وضد أن تستحوذ الدولة على تلك الأوقاف فهذا لا يمنعنى من أن أدين عدم اعتراف الطرفين بالقانون، فالمبدأ الذى أعترف به واحد وهو سيادة القانون، وإن ظلم القانون الإخوة المسيحيين ومكن الدولة من السيطرة على أوقافهم فهذا مخالف لروح القانون وهادم لأهم المبادئ الدستورى المنادى بحرية العقيدة وحرية الشخص فى التصرف فى أمواله، وليخض الإخوة المسيحيون معركتهم من أجل استعادة أوقافهم، وسيجدون كل العون من كل صاحب قلم شريف، كما يجدونه فى معركتهم من أجل حقهم فى ممارسة عباداتهم، وإلغاء التمييز الواقع عليهم.
أما ادعاء البعض بأن الكنيسة تمول من أبنائها عن طريق العشور والتبرعات ولذلك فليس من حق أحد أن يراقبها فهذا هو عين التمييز الذى يطالب الإخوة المسيحيين بإلغائه، ولا تعنى الطائفية أكثر من أن تكون لكل طائفة مواردها المستقطعة من الاقتصاد الوطنى وغير الخاضعة لإشراف الدولة ومراقبتها، والإخوة المسيحيون بهذا القول يمنحون جماعة الإخوان المسلمين وغيرها اعترافا بممارستهم غير القانونية، فمسيحيى مصر مصريون قبل أى شىء، كما أن مسلمى مصر مصريين قبل أى شىء، والمال فى الأساس هو مال الدولة، لأننا بدونها لم نكن لننعم باقتصاد وطنى ولا مرافق ولا خدمات ولا أمن ولا مصانع ولا مزارع، وهنا يجب أن نوضح شيئا غائبا عن البعض، ومن حق الدولة أن تعرف مصير كل قرش وطبيعة حركته فى السوق، لأن المال فى الأساس أداة من أجل تدوير الاقتصاد، لا من أجل اكتنازه أو صرفه فى مصارف غير معلومة.
لن أعتذر إذا ما أغضب كلامى بعض الإخوة المسيحيين وليس لمن يغضب من الحق إلا دبر الأذن وذيل الاهتمام، فالحق واحد وإن اختلفت المرايا.