> تجمع الوزارة الجديدة بين الشامى والمغربى، تشكيلها غريب ومتناقض، يضم الفلول مع الإخوان مع التكنوقراط، مع موظفين بعضهم ينتمى للعسكر، وبعضهم ينتمى لصاحب الفضل فى اختياره وزيرا، وطبعا رئيس الوزراء ليس هو صاحب الفضل، لأنه ليس صاحب قرار، فهو بدوره مدين فى اختياره لمحمد مرسى، والرئيس نفسه مدين بالفضل لجماعة الإخوان، فى الأخير الوزارة إخوانية عسكرية مشتركة، وبالطبع ليس لها رؤية واضحة، وعندما تغيب الرؤية، ويقل التناغم بين الوزراء ترتفع احتمالات الفشل، وربنا يستر على البلد.
> الوزير التكنوقراطى حافظ ومش فاهم، حاصل على تعليم راق فى تخصصه، ولديه خبرات طويلة، متفان فى عمله، مطيع لكل رئيس أو صاحب سلطة يعلوه، لذلك لا يعارض، ويحرص على تلبية مطالب الرئيس ورغباته دون نقاش، حتى وإن تعارضت مع العلم والمنطق ومصلحة الناس، من هنا كان رؤساء مصر يفضلون الوزراء التكنوقراط، وصار مرسى على نفس الطريق، لكنه الطريق الخطأ، فى التوقيت الغلط، فالشعب تغير والحالة الثورية مستمرة، ومشاكل الوطن أكبر من انفراد أى فصيل سياسى بالقرار.
> الرئاسة للإخوان والوزارة فعليا لهم، أى أنهم يعيشون لحظة انتصار تاريخى غير مسبوق، لكنها تجسد قمة قوتهم وبداية تراجعها! والأسباب كثيرة، فعندما يصل شخص أو حزب إلى القمة لا يجد أمامه سوى طريق الهبوط، وربما تتعدد طرق الهبوط، وفى حالة الإخوان هناك مشاكل وتحديات حكم مصر فى المرحلة الراهنة، وهناك الصراعات الداخلية على السلطة والمكاسب، والصراع مع السلفيين على الوزارة، والصراع مع القوى المدنية. ثم إن الإخوان تربوا على العمل السرى، وملاحقة البوليس، مما كان يدعم تماسكهم ووحدتهم، أما الآن فهم فى السلطة، وبالتالى يكثر النقاش والجدل حول قضايا السياسة والحكم والموقف من المعارضة، والخطر هنا أن يقلد الإخوان دور الجلاد بعد أن لعبوا خلال 84 سنة دور الضحية.
> تحية واجبة للرئاسة المصرية التى أقدمت على خطوة غير مسبوقة، عندما لجأت للقضاء ضد صحيفتين نشرتا معلومات غير صحيحة عن الرئيس وأسرته، التحية واجبة لأن الرئيس تعامل باعتباره مواطنا عاديا يحترم القانون، ويلجأ للقضاء، أى أنه لم يلجأ إلى إجراءات أخرى غير قانونية، كما كان يفعل الرؤساء السابقون، وهناك ألف فرق بين حرية الصحافة فى نقد الرئيس، وواجبها فى نشر معلومات صحيحة، أيضا الرئاسة عندما تذهب للقضاء فإنها تنزع عن نفسها القداسة الفرعونية المزعومة، وتقف على قدم المساواة مع الناس.
> الهيمنة السياسية والثقافية للتيار الإسلامى من إخوان وسلفيين لا يعكسها الإعلام الحكومى والخاص، فأغلب الإعلاميين والفنانين خائفون من نوايا الإخوان والسلفيين، والذين لم يعلنوا مواقف واضحة بشأن احترام حرية الإعلام والإبداع، وإنما قدموا تصريحات غامضة تثير القلق، وبدلا من تطمين الإعلاميين والفنانين يسعى الإخوان عبر مجلس الشورى لاختيار رؤساء تحرير تابعين لهم، ثم انتقل سعيهم إلى وزارة الإعلام التى ذهبت لصلاح عبد المقصود، القيادى فى الجماعة!
> الإعلام لا يصنع السياسة كما لا يصنع الحقائق، هذه بديهة أرجو ألا تغيب على وزير الإعلام الجديد الذى أخشى أن يحول اتحاد الإذاعة والتليفزيون والصحف القومية إلى أبواق للدعاية للإخوان، ومشروع النهضة الغامض، وليتذكر الوزير أن الإعلام أيام مبارك لم يمنع الشعب من الثورة، وأن الإعلام بعد الثورة هاجم الإخوان والسلفيين، ومع ذلك فازوا فى الانتخابات البرلمانية، ورغم أن التغطيات الإعلامية انحازت فى الانتخابات الرئاسية لعمرو موسى ولشفيق، فإن مرسى فاز بها. الخلاصة يا عبدالمقصود، الإعلام دوره محدود ومشروط بعوامل أخرى، وهو لا يغير الواقع أو يحول الأكاذيب إلى حقائق، وعليك أن تكون وزيرا لكل المصريين، وحافظ على التنوع والمهنية فى الإعلام، واحرص على استقلال وحرية الإعلام والتزامه بنقل الحقائق بدون تضخيم أو تهوين، لأن التضليل الإعلامى لن يخلق الحقيقة أو يقنع الرأى العام، بعكس ما يراه ويعيشه فى أرض الواقع.
> أزمة التحليل السياسى ومقالات الرأى أنها لا تستند إلى معلومات دقيقة، وإنما تعتمد على أمنيات أو أفكار أيديولوجية مسبقة، وبالتالى تقدم خطابات مبتورة ومغلقة على نفسها، يستطيع القارئ أن يتعرف على موقف الكاتب منذ الفقرة الأولى فى المقال، خاصة إذا كان الكاتب ينتمى لتيار أو حزب سياسى معين، والمشكلة أن كثير من الكتاب يلعبون أدوارا متعددة، فهو مؤسس ورئيس حزب، وأستاذ جامعى، وعضو فى البرلمان، ومقدم برامج فى إحدى الفضائيات، وضيف دائم فى قنوات أخرى تنافس القناة التى يعمل فيها. كل هذه الأدوار بينها تعارض فى المصالح، وتتطلب مجهودا هائلا، ومع ذلك يمارسها بعض النشطاء، ويتوهمون أن الناس ستصدقهم وأنهم مؤثرون.
> هناك من يؤمن بأن المجلس العسكرى متفاهم تماما مع الإخوان، وأن الشراكة بين الطرفين تتطور باستمرار رغم بعض التوترات التى تتدخل واشنطن لتسويتها. وفى هذا الإطار اقتسم الطرفان السلطة والوزارة لكى يتمكنا من تحقيق الاستقرار، وإجهاض الثورة بإجراءات إصلاحية محدودة، لا تغير من طبيعة نظام مبارك، وإنما تلبسه ثوبا إخوانيا إسلاميا. فى المقابل هناك من يرى أن الإخوان يستعينون بواشنطن ضد العسكر فى مقابل ضمان أمن إسرائيل، ومصالح أمريكا فى المنطقة. لذلك فإن العسكر غير قادرين على مواجهة الإخوان، وينتظرون التوقيت المناسب للصدام واستعادة سيطرتهم على السلطة، وأن على القوى المدنية أن تقف مع العسكرى دفاعا عن مدنية الدولة.
وأنا شخصيا أرى أن تفاهم العسكر والإخوان أو صراعهما يضر بالوطن، وبمصالح الناس.